بيان بلا ذاكرة رقمية: حين يختار المجتمع المدني الصمت بدل الاعتراف

 

بوبكر رشدي _فاعل مدني

أثار بيان صدر مؤخرًا عن عدد من الجمعيات والتعاونيات في قلعة مكونة جدلًا واسعًا، بعدما اكتفى بالتنديد بـ“أعمال التخريب والانفلاتات” التي رافقت احتجاجات شبابية، دون أن يذكر الجيل الرقمي الذي أطلق هذه الاحتجاجات من الفضاء الافتراضي إلى الميدان.
ورغم وجاهة الدعوة إلى الحفاظ على الأمن والممتلكات و التنديد الصريح بالتخريب ،الشيئ الذي لايمكن ان يختلف عليه اثنين، إلا أن الصمت عن جوهر الحراك ومطالبه يطرح تساؤلات حول موقع المجتمع المدني المحلي من التحولات الاجتماعية الجديدة.
– من التنديد إلى التجاهل
البيان استخدم لغة مألوفة في الخطاب الرسمي، إذ ركّز على “الانفلاتات” و“العبث”، دون الإشارة إلى الاحتجاجات السلمية والمتحضرة التي قادها شباب الجيل الرقمي في مناطق عدة.
هذا التجاهل لا يبدو اعتباطيًا، بل يعكس موقفًا ضمنيًا بعدم الاعتراف بهذا الجيل كفاعل مشروع في الحقل العمومي. فحين تُختزل حركة احتجاجية واسعة في “تخريب”، يتم نزع الشرعية عن مطالبها، ويُعاد إنتاج منطق قديم يرى في الاحتجاج تهديدًا، لا تعبيرًا ديمقراطيًا.
– الجيل الرقمي… واقع لا يمكن القفز عليه
الجيل الرقمي اليوم ليس ظاهرة عابرة، بل تحول نوعي في الوعي والممارسة السياسية. هو جيل يوظف الفضاء الرقمي لتعرية الاختلالات، ولخلق فضاء موازٍ للمساءلة الشعبية.
حتى الحكومة، في تصريحاتها الأخيرة، اعترفت بوجود هذا الجيل وبأهمية الإنصات إليه، في إشارة إلى أن المشهد السياسي والاجتماعي المغربي دخل مرحلة جديدة لا يمكن تجاهلها.
– أزمة تمثيل أم أزمة شجاعة؟
المجتمع المدني المحلي، كما ظهر من خلال هذا البيان، يبدو عالقًا بين منطقين:
منطق الولاء والاستقرار الذي يُرضي المستفيد من الوضع الحالي ، ومنطق الانحياز للمجتمع وقضاياه.
لكن الاكتفاء بإدانة التخريب دون الإشارة إلى الأسباب والمطالب يفقد الجمعيات مصداقيتها، ويُظهرها وكأنها تقف في موقع الدفاع لا الوساطة.
– الاعتراف بداية الحل،
إن تجاهل الجيل الرقمي لا يلغي وجوده، بل يعزز شعوره بالتهميش.
الجيل الجديد لا يبحث عن شرعية من أحد، بل يفرضها بالفعل والمحتوى والتفاعل الشعبي.
ولهذا، فإن الاعتراف به والاستماع إلى صوته ليس خيارًا أخلاقيًا فقط، بل ضرورة لضمان استقرار حقيقي مبني على المشاركة لا الإقصاء.
– خاتمة
البيان الذي تجاهل الجيل الرقمي، وإن بدا بريئًا في شكله، يفضح أزمة عميقة في بنية المجتمع المدني المحلي، الذي لم يستوعب بعد أن أدوات الفعل والتأثير تغيّرت.
ففي زمن “الترند” و”الهاشتاغ”، لم يعد من يملك المقر أو الختم هو من يحتكر التمثيل، بل من يملك القدرة على التعبير والتأثير.
الجيل الرقمي قال كلمته، فهل يملك المجتمع المدني الشجاعة ليسمعها؟

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)