حسيك يوسف
تعيش المملكة المغربية اليوم واحدة من أكثر اللحظات الاقتصادية حساسية، في ظل ضغط متزايد على الميزانية العامة وارتفاع حاجيات المواطنين في مجالات أساسية كالصحة والتعليم والشغل. وفي خضم هذا الواقع، يبرز من جديد النقاش القديم المتجدد حول تقاعد البرلمانيين والوزراء، باعتباره أحد رموز الامتيازات السياسية التي لم تعد منسجمة مع منطق العدالة الاجتماعية ولا مع روح الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة.
فالبرلماني، في الأصل، ليس موظفًا في الدولة ولا أجيرًا عندها، بل هو ممثل للأمة تم اختياره بشكل مؤقت للقيام بمهام تشريعية ورقابية لفترة محددة، ثم يعود بعدها إلى وضعه الطبيعي كمواطن عادي. من هذا المنطلق، يصبح من غير المنطقي أن يستفيد البرلماني من تقاعد دائم لمجرد أنه شغل مقعدًا تحت القبة لبضع سنوات، في حين أن آلاف الأطر والكفاءات المغربية تقضي عقودًا في الخدمة العامة دون أن تضمن لنفسها معاشًا كافيًا.
أما الوزراء، فهم بدورهم يتحملون مسؤولية تنفيذية في مرحلة محددة، في إطار حكومة يتم تشكيلها من الحزب أو التحالف الذي يحصل على أعلى عدد من المقاعد البرلمانية، وفق ما ينص عليه الدستور المغربي. وتنتهي مهامهم بانتهاء ولايتهم الحكومية. فكيف يُعقل أن تستمر الدولة في صرف معاشات شهرية سخية لهم بعد مغادرتهم مناصبهم، في وقت تعاني فيه فئات واسعة من المغاربة من ضعف الخدمات الصحية والتعليمية وغلاء المعيشة؟
الواقع أن ميزانية تقاعد البرلمانيين والوزراء، وإن بدت في ظاهرها محدودة أمام أرقام الإنفاق العمومي الكبرى، إلا أنها تحمل رمزية ثقيلة في وعي المواطن المغربي. فهي تعكس فجوة الثقة بين الشعب ومؤسساته، وتغذي شعورًا عامًا بعدم المساواة أمام القانون.
إن المرحلة الراهنة تفرض على الدولة وقفة جرأة ومصارحة: فالعدالة الاجتماعية لا تتحقق بالشعارات، بل بإصلاح جذري للبنية المالية والسياسية التي تمنح امتيازات غير مستحقة. ومن شأن إلغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء أن يشكل خطوة رمزية قوية لإعادة الاعتبار لقيم التطوع والخدمة العامة، وترسيخ ثقافة “المنصب تكليف لا تشريف”.
المغرب اليوم بحاجة إلى كل درهم يُستثمر في بناء المدارس وتجهيز المستشفيات ودعم المقاولات الصغيرة، لا إلى معاشات سياسية تُثقل كاهل ميزانية الدولة دون مبرر. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من رأس الهرم السياسي، حين يقتنع من يتولون المسؤولية أن خدمة الوطن لا تحتاج إلى تقاعد، بل إلى ضمير حي وواجب وطني.
تعليقات ( 0 )