تكريم لا تفرقة: حين يُشوَّه الوفاء باسم الفتنة  

مع الحدث

المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر

 

في خطوةٍ رمزيةٍ ذات بُعدٍ حضاري وتاريخي، أطلقت بعض المجالس الجماعية المغربية أسماء عدد من المواطنين اليهود المغاربة على شوارع وأزقة في مدنٍ كانوا جزءًا حيويًا من تاريخها، وساهموا في تنميتها ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وتركوا بصمتهم في نسيجها الحضاري المتنوع.

 

خطوةٌ مستحقةٌ بل متأخرةٌ في حق مغاربة يهود عاشوا وماتوا على تراب هذا الوطن، وأحبوه كما أحبوه إخوانهم المسلمون، واعتبروا أنفسهم جزءًا لا يتجزأ من تاريخه وهوّيته. إنها رسالة تصالح مع الذاكرة، لا استفزازًا لهوية أحد.

 

لكن، كما هو متوقع، لم تسلم هذه المبادرة النبيلة من التأويلات المغرضة. إذ سارعت بعض المنابر الإعلامية الخارجية – المعروفة بأجنداتها المشبوهة – إلى تضخيم الحدث وتحريفه، فصوّرته على أنه “تطبيع ناعم” أو “استفزاز للرأي العام”، بل وذهب بعضها إلى حدّ وصفه بـ”تهويد الفضاء العمومي”، في مشهدٍ يثير السخرية والاشمئزاز أكثر من الغضب.

 

الحقيقة التي يتعمّد هؤلاء تجاهلها هي أن اليهود المغاربة ليسوا “ضيوفًا” ولا “دخلاء”، بل هم أبناء هذا البلد الأصليون، عاشوا فيه منذ قرون، وساهموا في بنائه، ونسجوا مع إخوانهم المسلمين روابط إنسانية واجتماعية وثقافية متجذّرة. من السذاجة – بل من الخبث – أن يُختزل هذا الإرث العريق في سجالات سياسية ضيّقة.

 

بل إن الدستور المغربي، الذي يُكرّس التعدّدية الثقافية للمملكة، يضع “المكوّن العبري” ضمن روافد الهوية الوطنية. فهل صارت نصوص الدستور محلّ تشكيك بسبب جهل البعض أو تحريض أقلامٍ مأجورة؟

 

الأجدر أن يُنظر إلى هذه المبادرة من زاوية بعدها الحضاري والرمزي، لا أن تُستغل كأداةٍ لتصيّد الأخطاء أو تأليب المشاعر. فالمُكرَّمون بأسماء هذه الأزقة لم يكونوا سياسيين ولا حاملين لأجندات، بل كانوا صناعيين، وتجارًا، وأطباء، ومعلمين… تركوا إرثًا مشهودًا له، وكان تكريمهم بادرة وفاءٍ لمساهماتهم.

 

ومن المؤسف أن تتحوّل مبادرات الاعتراف بالجميل إلى بؤرٍ للفتنة، بفعل منابر لا تعرف عن المغرب إلا ما تريده أجهزتها الإعلامية المزوّرة.

 

لقد اختار المغرب، ملكًا وشعبًا، أن يكون نموذجًا للعيش المشترك، وطنًا يحتضن ذاكرته بكلّ تشعّباتها، دون انتقائية أو خوفٍ من ضجيج الخارج.

 

فمن أراد أن ينتقد هذه المبادرات، فليُراجع تاريخه أولًا، وليتعلم أن الوطن شجرةٌ بجذورٍ متعددة، لا ساحةً للمزايدات تُشعلها الأقلام المأجورة متى شاءت.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)