حين يُشوى اللحم وتُذبح القيم: “عيد” على جمر الأنانية!

مع الحدث متابعة لحبيب مسكر

في سنة استثنائية، قرر جلالة الملك محمد السادس – بحكمة وبعد نظر – إعفاء المغاربة من ذبح الأضاحي، حفاظًا على الثروة الحيوانية الوطنية، وتخفيفًا من الضغط على الأسر الفقيرة التي أثقل كاهلها الغلاء، وجفاف الجيوب، وقسوة الواقع.

كان القرار فرصة ليُظهر المجتمع وجهه الإنساني، ويترجم روحه التضامنية… لكن سرعان ما انكشفت الأقنعة.

فبينما التزم جزء كبير من المواطنين بالقرار، صبرًا أو اقتناعًا، فضّل آخرون أن يلتفوا عليه. فذُبحت الخرفان سرًّا قبل العيد بأيام، وخُزنت اللحوم في المجمدات، ثم بدأ الشواء علنًا، بل بافتخار واستفزاز، وكأنّ الأمر “تحدٍّ” لا نداء من أعلى سلطة في البلاد.

وما زاد الطين بلّة، أن الأسواق شهدت سباقًا محمومًا نحو شراء اللحوم و”الدوارة”، حتى وصلت الأخيرة إلى 700 درهم للكمية الواحدة! هل نحن أمام عيد؟ أم أمام مشهد من الفوضى الأخلاقية والاستهلاك الأعمى؟ هل صارت الدوارة رمزًا للانتصار على القرار الملكي بدل أن تكون بقايا أضحية؟

في أحياء كثيرة، استيقظت الأسر الملتزمة على روائح الشواء تنبعث من بيوت الجيران. أطفالٌ يُسألون: “لماذا لم نذبح كبشًا مثلهم؟” وآباء في حرج بين الوفاء للقرار الملكي وبين تبرير الفقر أو التضامن.

أي إحساس يُفترض أن يشعر به من احترم النداء الوطني، وهو يرى من حوله يستهزئون به عبر الفحم والدخان واللحم؟

أي درس نُقدّمه للأجيال، ونحن نُظهر أن التحايل والانتهازية والأنانية، أقوى من الحسّ الجمعي والالتزام الأخلاقي؟

إن العيد، في جوهره، ليس ذبحًا ولا أمعاء مشوية. العيد في معناه الأعمق هو وقفة تضامن، ومناسبة للتراحم، ولحظة لنُعلي فيها قيمة الجماعة على نزوات الفرد.

فما حدث هذه السنة، ليس مجرّد “خروقات معزولة”، بل مرآة مقلقة لجزء من مجتمع فقد بوصلته.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)