حبل المشنقة… في يد الشنّاق!

محمد فتيح

في بلادٍ عجيبة، حيث السوق يشبه ساحة إعدام، والمواطن هو المحكوم بالمؤبد، يجلس الشنّاق (المضارب) على كرسيه الوثير، يتأمل حبله السحري، ذلك الحبل الذي لا يلتف حول أعناق ، بل يلتف حول الأرزاق!

الشناق ليس مجرد تاجر، بل جلاد اقتصادي بارع، يتقن فن الاختناق الجماعي دون أن يترك أثرًا للجريمة. يعرف متى يشدّ الحبل لترتفع الأسعار، ومتى يرخيها قليلًا ليمنح الضحية وهم التنفس. يترك المواطن يتخبط بين الحياة والموت، لا يموت تمامًا فيرتاح، ولا يحيا بكرامة… لأنه لا يريد جثثًا، بل زبائن يستهلكون حتى آخر أنفاسهم!

تبدأ جلسة الإعدام برفع الأسعار فجأة ،بحج واهية وما أكثرها :الجفاف ،الحرب في مكان ما ،أو حتى بسبب كارثة وقعت على بعد آلاف الكيلومترات!

وعندما تتعالى صرخات الشعب المعذبين بنار الأسعار ، يبتسم بخبث ويقول لهم: “اصبروا… هذه أزمة مؤقتة!”.

وعندما يوشك السوق على الانهيار، يرخي الحبل قليلا فينخفض السعر بسنتات ، ويفرح المواطن وينسى انه من قبل قد كان إرتفع بدريهمات !ولا يدرك أنه مازال يدفع اكثر من اللازم.

إنها لعبة نفسية أكثر مما هي اقتصادية…لأن الشنّاق يبيع السلع مع كثير من الأوهام!

لكن في يومٍ من الأيام، استفاق الشعب أخيرا وألقى نظرة فاحصة على الحبل… واكتشف أنه ليس مجرد طوق يلتف حول أعناقهم، بل هو حبل يمكنهم سحبه من يد الشنّاق نفسه!

فقرر الناس أن يفعلوا ما لم يكن في حسبان : القطيعة …لم يشتروا، لم يتوسلوا، لم يركضوا خلف العروض الوهمية. فقط تركوا السوق فارغًا، والبضائع تتعفن على الرفوف.

بدأ التجار يصابون بالذعر… البيض يفسد، السمك يتعفن ،الحليب يتخثر، والزيت يكسد في قنيناته. حبل المشنقة ينقلب على صاحبه وأصبح الشنّاق هو من يشعر بالاختناق.

وتعالت الهتافات: “عاش الشعب بلا شناق! عاش الشعب بلا أطواق !”

وحينها، انقطع الحبل أخيرًا… فعاش الشعب حرًا، يتنفس بلا خناق!

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)