مع الحدث : فاطمة الحارك
ما حدث في قطر لن يُنسى، ذلك المونديال الذي هزّ العالم وجعل اسم المغرب يُكتب بحروفٍ من ذهب كانت المباراة أمام فرنسا لحظة تاريخية، لحظة اختلط فيها الفخر بالألم لحظة وعد فيها المغاربة أنفسهم أن الخسارة ليست نهاية الحلم بل بدايته. ومنذ ذلك اليوم، ظلّ في القلب شيء لم يُروَ بعد… حتى جاء اليوم الذي أنصفنا القدر من جديد.
على أرض الشيلي، بعيدًا عن الدار البيضاء، ارتفعت الأعلام المغربية من جديد وصدحت الحناجر بأهازيج لا تعرف المسافات فالجمهور المغربي العاشق لمنتخبه لا يعرف حدودًا يتنفس حبّ الوطن أينما حلّ المنتخب وارتحل وكأن الأرض كلها صارت ملعبًا واحدًا بلون الأحمر والأخضر
دخل أشبال الأطلس الميدان بقلوب الكبار، بعيون تلمع بالعزيمة، وبروح لا تعرف الخوف. كانت المباراة أمام فرنسا أكثر من مواجهة كروية كانت مباراة كرامة وذكرى وانتقامٍ جميلٍ طال انتظاره.
لم يكن انتقامًا بالمعنى القاسي للكلمة بل كان انتقامًا من نوعٍ آخر انتقامًا أنيقًا وراقيًا ورياضيًا، يليق بشعبٍ لا ينسى لكنه لا يحقد.
منذ صافرة البداية بدا واضحًا أن الأشبال لا يريدون فقط اللعب وانما يريدون الكتابة… كتابة صفحة جديدة في تاريخ الكرة المغربية. كل تمريرة كانت رسالة، كل هدف كان وعدًا يُستعاد وكل نظرة إلى السماء كانت تذكيرًا بأن الأسود لا تموت، بل تلد أشبالًا أقوى وأشرس
لقد فاز الأشبال نعم فازوا ليس فقط على فرنسا بل على الشك والخوف والتاريخ أثبتوا أن جيل اليوم لا يعرف المستحيل، جيل عنيد، عناده جميل، فيه تلك الحلاوة التي لا تُشترى حلاوة المجد الذي يصنعه الإصرار لا الحظ.
جيل يركض وكأن كل خطوة تقول نحن أبناء أولئك الذين صعدوا إلى المربع الذهبي، ونحن من سيكمل الحلم إلى أبعد من ذلك.
في الشيلي لم تكن فقط مباراة بل كانت ملحمة صغيرة كتبتها أقدام صغيرة بعزائم كبيرة. جمهور يهتف من كل القارات وقلوب تخفق بنفس الإيقاع من الرباط إلى طنجة، ومن الداخلة إلى مراكش
هكذا هو المغربي يعيش الكرة كما يعيش الوطن بالعاطفة وبالشغف وبإيمانٍ لا يتبدّد.
اليوم، الأشبال لم ينتصروا وحدهم بل انتصر معهم كل مغربي آمن بأن الهزيمة لحظة وأن المجد عادة. انتصروا لأنهم صدّقوا أن الحلم لا يموت وأن غريزة الانتقام حين تكون جميلة تُنبت الأمل بدل الحقد وتمنحنا فخرًا مضاعفًا بدل ألمٍ قديم.
ها هم الأشبال ينتقمون… ولكن بطريقتهم الجميلة، بأقدامهم الرائعة وبقلوبٍ أكبر من أي ملعب
جيل لا يعرف المستحيل، جيل يُعلّم العالم أن المجد قد يغيب لحظة ولكنه دائمًا يعود… حين يكون الاسم هو المغرب
تعليقات ( 0 )