الصادق بنعلال
سبق لي أن خصصتُ مقالات صحفية كثيرة عبرتُ فيها عن موقفي من السياسة التدبيرية لفارس البوغاز ( فرع كرة القدم )، حيث أبرزت من خلالها مختلف المظاهر غير الصحية لهذا النادي العريق، سواء تعلق الأمر بغياب الاستقرار للأطر التقنية والضبابية التي اكتنفت في أكثر من محطة “منهجية” انتداب اللاعبين المغاربة والأجانب، وإبعاد آخرين أبانوا عن مستواهم الفني الجيد مع نوادي وطنية متعددة، أو تعلق الأمر بغياب استراتيجية بعيدة ومتوسطة المدى لفريق مشجعوه بالملايين داخل وخارج أرض الوطن، إذ أننا كمساندين وإعلاميين ومراقبين لا نعرف بالملموس الأهداف التي يفترض أن تكون منطلقا لأي إنجاز رياضي مسؤول، فهل يا ترى مقصدية المكتب المديري هي بقاء الاتحاد في القسم الوطني الأول للعب دور التنشيط أم اللعب من أجل البوديوم والحصول على المراتب الخمس الأولى، أم الاستعداد للمنافسة على الألقاب الوطنية و القارية !؟ وبقدر ما كنا صادقين في انتقاداتنا وشرسين في الدفاع عن أفكارنا واقتراحاتنا، بقدر ما كنا محترمين مقدرين للسيد الرئيس عبد الحميد أبرشان ( والأعضاء المرافقين له ) الذي لا يمكن أن نقلل من تضحياته ونحكم على مجهوداته الكبيرة بجرة قلم. وفي هذا الإطار سبق لي أن نشرت مقالا منذ حوالي سنة أستجلي وأستقرئ فيه حال ومآل ناد يستحق عناية استثنائية تليق بمكانته الاعتبارية، ولأنه مازال يحافظ على مشروعيته من حيث المضمون والسياق فإنني أعيد نشره مع بعض التغييرات الملائمة لهذه المرحلة المفصلية بالغة الغموض ! بعد هزيمة فارس البوغاز الأخيرة بميدانه أمام أولمبيك أسفي، و الاستقالة الطوعية التي أقدم عليها الإطار الوطني هشام الدميعي، اتصل بي أحد القراء المتابعين لمقالاتي الرياضية، عبر بريدي الإلكتروني يطلب مني وجهة نظري حول المآل المظلم والكارثي لهذا النادي، بل إنه “توسلني” أن أتحمل مسؤوليته الإدارية ( كذا )، وأتقدم بحلول وخطوات كفيلة بإنقاذه من السقوط بين مخالب القسم الوطني الثاني. لا أخفي تعلقي الشديد بالكرة الوطنية، و مساندي الحارة و المتواصلة لكل النوادي المغربية دون قيد أو شرط مادامت تدافع باستماتة عن صورة المغرب و مكانته بين باقي الدول، لكنني وبحكم انتمائي لمدينة طنجة العزيزة على كل المغاربة أجدني أكثر استعدادا للدفاع عن ممثل عروس الشمال، ولو أدى الأمر إلى أن أوجه انتقادات شرسة، وربما عنيفة لكل الأطراف المعنية بتدبير شؤونه الإدارية والتقنية، ليس حبا في النقد ولا رغبة في التباهي بالاختلاف والتميز، بل إيمانا مني بالمقولة التي تحيل على أنه لا ننتقد إلا من نحب، بالإضافة إلى أنني على معرفة لا بأس بها بتاريخ كرة القدم الطنجوية وبالنجوم المحلية التي أضاءت سماء الرياضة الوطنية في عقود خلت، دون الحديث عن المشاهد الاحتفالية لجماهير هذه المدينة ذات الجاذبية الفريدة، وقدرتها العجيبة على تسويق الوجه الرياضي المتحضر لبلدنا . كي تكون رئيسا لفريق كرة القدم يتطلب الأمر احترام المستلزمات القانونية، وتقدير النظام الأساسي النموذجي للجمعيات الرياضية ونظامها الداخلي .. أقلها أن تكون عضوا منخرطا، ومساهما ماديا ومعنويا في بناء صرح الفريق وتقوية أعمدته، و العبد الضعيف خارج دائرة المنخرطين المعنيين بحضور الجموع العامة والمشاركة في اللقاءات وإبداء الرأي والتصويت .. لكن بعيدا عن هذه الحيثيات و الاعتبارات الإدارية الضرورية، سأجيب القارئ الكريم الذي “ينتظر” مني اقتراحات عملية أولية لانتشال فارس البوغاز من الضياع كما يلي: – تقوية المستوى المادي للنادي والحفاظ على غلافه المالي وتنميته بكل الطرق المشروعة، أقلها طرق كل أبواب المساهمين الرسميين والمؤسسات الاقتصادية و الإشهارية .. و التوقف عن استجلاب وانتداب لاعبين أجانب لا يقدمون أي قيمة مضافة، لوضع حد لامتصاص الميزانية الذاتية وتبذيرها دون طائل يذكر . – وضع استراتيجية محكمة البناء بمعية خبراء ميدانيين على المدى البعيد والمتوسط والقريب، مع إعطاء الأولوية لبناء الأساس أو القاعدة التي يفترض أن ينهض عليها النادي، و أقصد بالتحديد إبداء العناية الفائقة بتكوين الفئات العمرية الصغرى، داخل أكاديمية رياضية تستند إلى المعايير الدولية الحديثة. وهذا المسعى لم يحدث في مدينة طنجة إلى الآن! ما عدا بعض الاجتهادات الفردية المستقلة الصادرة عن بعض الغيورين من أبناء المدينة، فمن السهل الفوز بلقب أو بطولة، لكن الأهم من كل ذلك الاستمرارية و ضمان التألق المتواصل، و هذا المسعى يستدعي رؤية استراتيجية وعمل فريق مسؤول متخصص في التدبير الرياضي بحصر المعنى . – إعطاء الأولوية لأبناء البوغاز ليس من باب التحيز أو الانغلاق والانكماش حول الذات، بل من باب فتح المجال للاعب المحلي ومساعدته على التميز، و تجنيبه الارتماء في عالم اليأس والإحباط وفقدان الأمل، وقد تعودنا منذ عقود على أن يكون جل لاعبي نهضة طنجة أوالاتحاد الرياضي لطنجة مثلا من أبناء المدينة، وقد أبلوا بلاء حسنا وفي أكثر من مناسبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر كان البدوي و مجيدو ومصطفى و التشيكيطو و الروبيو و العروسي وعمر ومحسن وسيف الدين و المصوري و السيمو و مخاطة و الحمام و العربي ملك و المرابط .. علامات فارقة في الساحة الرياضية المحلية والوطنية . – تشكيل إدارة تقنية مغربية محترفة، لأنني أثق في الأطر المغربية وأومن بإمكانياتها الهائلة والمثمرة تتحمل المسؤولية الفنية دون أي تدخل إداري كيفما كان نوعه، وضمان مبدأ الاستقرار والاستمرارية، والامتناع عن إزاحة أي مدرب لمجرد سوء نتائج بعض المقابلات، لأن الإنجاز الرياضي لا يقتصر على الانتصارات الجزئية والعفوية، بقدر ما يتحدد في جودة الأداء الذي سيفضي لا محالة إلى نتائج فاعلة ومتجددة . – أن أقيم تواصلا فعالا؛ دوريا وإيجابيا مع المساندين والمشجعين الأوفياء، الذين يعتبرون الممول الأول للنادي ماديا ومعنويا، ورجال الصحافة والإعلام المستقلين .. فهؤلاء ليسوا خصوما أو منافسين على “المنصب” ، بل هم أصدقاء يحبون النادي بطريقة انتقادية قد تكون حادة، لكنها مفيدة و ناجعة. – سأجتهد في توسيع قاعدة المنخرطين إلى أبعد مدى ممكن، دون خوف من “انقلاب” أو “تشويش” أو “مؤامرة”، وذلك عبر تخفيض واجب الانخراط السنوي بالشكل الملائم، حتى يتسنى للمنخرطين ضمان استمرارية قدر من السيولة المادية للنادي، والمشاركة في الجمع العام وممارسة حق النقاش والتصويت، في جو موسوم بالشعور بالمسؤولية والتعددية وحرية التعبير دون إقصاء أو كولسة، مع التقيد بمبادئ الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني. أما الجوائز أما الألقاب أما المنجزات، فلا محالة قادمة بعد هذا التخطيط الذي يتخذ من الرياضة و لا شيء غير الرياضة الهدف الأساسي و الغاية الأسمى !
Share this content:
إرسال التعليق