لميا أ. و. الدويهي.لبنان
في نواحٍ من علاقاتنا الإنسانيَّة
غالبًا ما نتفاجأُ وتُصيبُنا الحَيرة والدَّهشة، عندما نُصادفُ عُشَّاقًا أو أصدقاء أو حتَّى أشِقَّاء وقد اختلفوا وافتَرقوا… لا يَهمُّ نوع العلاقة بقدر ما هو مُهمٌّ السبب أو الأسباب وراء ذلك، والتي قد تكون عديدة، لا بل لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وفي غالبيَّتِها تعودُ إلى نَمطِ التَّربية التي تلقَّيناها والمخاوف التي واجهناها في الطُّفولة، والتي كانت ولا زالت تُحفِّزُنا لمحاولةِ بلوغ الاستقرار والسَّعادة مهما كانت الظروف؛ وهذا حقٌّ لكلِّ إنسانٍ على وجهِ الأرض… إلَّا أنَّنا، بجميعِ أنماط العلاقات التي قد نَخوضُها، نقعُ أحيانًا كثيرةً على فئةٍ أو فئات من النَّاس، نختارها بوعيٍ أو بلا وعيٍ، لنكونَ قادرينَ على التحكُّمِ من خلالِها بالمواقف، فلا يُفلتُ زمامُ الأمورِ من أيدينا، وهذا لضمانةِ «سعادتنا»، التي غالبًا ما لا تتحقَّق في هذا المناخ، أو خوفًا من مَجهولٍ يُحيطُ بنا وقد يُطيحُ باستقرارِنا النَّفسي وربَّما العقليّ بينَ لحظةٍ وأُخرى…
عادةً ومع الوقت، ينمو الإنسان وينضجُ… إلَّا أنَّ بعضَ النَّاسِ تبقى نُفوسُها عالقةً في مكانٍ ما، في زمانٍ ما… لا تعرفُ حتَّى، كيفَ تُمَزِّقُ غلافَ الألمِ وتخرجُ من رَحَمِهِ لتَلِجَ إلى عُمقِ الحياة…
وغالبًا ما نُصدرُ إنذارات، نتوقَّعُ من الآخرين تَلَقُّفَها وفهمَها واستيعابَها ببساطة وكأنَّه ليس لديهم شيءٌ في الحياة سوى إرضائِنا وإسعادنا و«الوقوفِ على خاطِرنا»… ونَنسى أنَّهم هم أيضًا يحتاجون أن يَنموا ويأخذوا مَساحَتهم وأن يَشعروا بدورِهم، بالأمان والثِّقة والاستقرار والقدرة للتَّعبيرِ عن الذَّات… إنَّهم يحتاجونَ أن «نُحَرِّرَهم» من ضُغوطاتِنا، ليَستطيعوا أن يكونوا «هم»، كما هم، على سجيَّتِهم، معنا… فننمو كلَينا بما يُرضي الطَّرفَين، وقد يكونُ الاختلاف سيِّدَ الموقف ولكن ليسَ بالضَّرورةِ سبَبًا للانفِصال، وإنَّما قوَّة مُضاعَفة للاتِّحاد… أظنُّ بأنَّ المُفارقة تكمُن في كميَّة الاحترام التي نَضعُها في وَسط العلاقات وقبول الآخر كما هو، وأن نُدرِكَ بأنَّ طلباتِنا ليست بأوامر يُنَفِّذُها هذا الآخر، فقط لأنَّهُ يُحبُّنا أو لأنَّ «هذا واجِبَهُ» تجاه التزامه بالعلاقة… بل هي مَساحةٌ يُعبِّرُ فيها عن عُمقِ المحبَّة بدونِ قيدٍ ولا شَرط، بإرادةٍ نابعة من أعماقِهِ، من ذاتِهِ الوجدانيَّة الحُرَّة، فتكونُ النَّتيجة أنَّ المُحبّ قد «يَخدُمُ» – وأَضعُها بين هلالَين بسببِ تَفاوتِ القناعات لدى النَّاس – ويُقدِّمُ «تَضحيات» عن قناعة ورضا وليسَ بفعلِ ضُغوطاتٍ قد تُؤديّ إلى انفجارات، فانهيارات، فتداعيات، كلُّها معًا قد تنتهي بالانفصال…– وهنا أيضًا، أَضَعُ كلمةَ تَضحيات بينَ هلالَين، لأنَّهُ لكلِّ إنسانٍ مفاهيمه الخاصَّة وخبرته ورؤيته للأمور، مع أنَّ القادر على التَّضحيةِ في زَمَنِنا هذا، لأجلِ موقفٍ سامٍ هو إنسانٌ جبَّار… أمَّا التَّضحية في غَيرِ مكانِها فضعفٌ وإذلال – كما أنَّ صفةَ الصَّبر قد أصبَحَت نادرةً في مُجتمعاتِنا، كي لا أَقولُ بأنَّها قد فُقِدَت، والقُدرة على تَقديمِ بعضِ التَّنازُلات أصبَحَت من فئةِ المًستَعصيات، ولا أقولُ المُستحيلات، لأنَّني أؤمِنُ بالإنسان وبأنَّهُ لا تزالُ توجَدُ خميرةٌ صالحةٌ في مكانٍ ما، تُخمِّرُ هذا المجتمع وتُنكِّهُهُ بما تَحويِهِ من مَعانٍ…
ما أودُّ تسليطَ الضَّوءِ عليهِ هو مُساعدة هذا الآخر على أن يكونَ «هو»، لأكونَ بدوري «أنا»، لأنَّ هذا ما يَحتاجُهُ كُلٌّ منَّا لبلوغ السَّلام الذَّاتي… وإن كان شُركاؤنا في الحبّ، في الصَّداقة، في الأخوَّة وحتَّى في العمل… يُعانون، فسلامُنا الذَّاتي ناقص وغير مُكتمل المفاعيل وحتَّى بلا معنى…
بفعلِ الحُريَّة الشخصيَّة، تقعُ على عاتق كلِّ فرد مَسؤوليَّة اختيار الشُركاء في كافَّة الميادين الإنسانيَّة، طبعًا ما عدا الأخوَّة، فهي تُمنَحُ من علياء، إلَّا أنَّ الآخر، وبالحُريَّة الشخصيَّةِ ذاتِها، يختارُ إمَّا البقاء والالتزام وإمَّا الرَّحيل والابتعاد، ومَوقِفه هذا يعودُ للأسلوب الشَّخصيّ لكلٍّ منَّا بالتَّعامل والذي قد يكونُ آسِرًا وخانقًا… أو واثقًا، مُتجانسًا، مُتوافِقًا، مُتكافئًا، قاعدته ثقة، واحترام، فحريَّة ذاتيَّة لاتِّخاذ القرار الذي يرتاحُ لاعتناقِه كُلُّ إنسانٍ، في نهايةِ المَطاف، بحسبِ قناعاتِهِ ورغباتِهِ والتي تختلفُ أسبابها وجوهرها من شخصٍ لآخر…
لميا أ. و. الدويهي
٧/٩/٢٠١٩
Share this content:
إرسال التعليق