مع الحدث عبد الحق عبد النجيم
كلمة السيد الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامةبمناسبة
اللقاء التنسيقي حول تنزيل التوصيات المتمخضة عن الدورات التكوينية الجهوية المنظمة لفائدة المسؤولين عن النيابات العامة وقضاتها وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية
حول موضوع:
(العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-السيد محمد الدخيسي والي الأمن مدير الشرطة القضائية، نيابة عن السيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني؛
-السيد اللواء محسن بوخبزة، رئيس المصلحة المركزية للشرطة القضائية، نيابة عن السيد الفريق الأول قائد الدرك الملكي؛
-السادة المسؤولون بالإدارة المركزية برئاسة النيابة العامة والإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي؛
-السادة الوكلاء العامون للملك ؛
– السادة ولاة الأمن؛
– السادة رؤساء القيادات الجهوية للدرك الملكي؛
– السيد رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ورئيس الفرقة الوطنية للأبحاث الجنائية للدرك الملكي؛
– حضرات السيدات والسادة الأفاضل كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.
تغمرني سعادة كبيرة وأنا ألتقي بكم مجددا في هذا اليوم المبارك لافتتاح أشغال هذا اللقاء التنسيقي الهام الذي يهدف إلى تدارس ومناقشة سبل آليات تنزيل التوصيات والمخرجات التي أسفرت عنها الدورات التكوينية التي سبق تنظيمها حول موضوع: ( العدالة الجنائية وآليات تجويدها بين متطلبات تحقيق النجاعة وتعزيز القيم والأخلاقيات المهنية )، والتي انعقدت خلال الفترة الممتدة من 24 ماي إلى 14 يوليوز 2023 بمدينة فاس ومراكش والدار البيضاء وأكادير وطنجة.
وبهذه المناسبة أود أن أرحب بالسادة المسؤولين بالإدارات المركزية بالمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي والسادة الوكلاء العامين للملك والسادة ولاة الأمن ونوابهم والسادة رؤساء القيادات الجهوية للدرك الملكي ورئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والفرقة الوطنية للأبحاث الجنائية للدرك الملكي، منوها في نفس الوقت بالمستوى المهني العالي الذي أبان عنه كافة المشاركين في الدورات الجهوية السابقة وبالجهود الجبارة التي يبذلونها من أجل المساهمة في ضمان الرفع من أداء مقومات العدالة الجنائية ببلادنا وبالتضحيات التي يقدمونها في سبيل استثباب الأمن والنظام العامين داخل المجتمع وحفظ الحقوق والممتلكات وسلامة المواطنين.
كما أود بهذه المناسبة أيضاً أن أعرب للسيد المدير العام للإدارة العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي عن خالص شكري وتقديري على تفاعلهما وانخراطهما في هذه الدورات التكوينية وعلى اسهامهما في ضمان سبل نجاحها تنظيميا وعلميا دون أن تفوتني الفرصة لأتقدم لسيادتهما بوافر عبارات الشكر والامتنان على الدعم والمساعدة التي يقدمانها للعدالة، وعلى كل المبادرات التي تتخذها رئاسة النيابة العامة بشأن تعزيز التواصل والتنسيق بين مختلف أجهزة العدالة الجنائية وفق ما يخدم العدالة ببلادنا لفائدة الوطن والمواطن.
والشكر موصول أيضا للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على دعمه المتواصل لكل المبادرات الهادفة إلى تنسيق الجهود الرامية إلى تعزيز قدرات القضاة وتطوير مجالات التكوين بالنسبة للأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يخفى على حضراتكم أن اللقاءات التنسيقية الجهوية التي تم تنظيمها من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة وتعاون مع المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي قد استفاد منها ما يقارب 1000 مشارك ومشاركة بينهم مسؤولون قضائيون عن النيابات العامة، وقضاة التحقيق بمختلف المحاكم، ومسؤولون عن مصالح الشرطة القضائية بكل من الإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي بالإضافة إلى ضباط الشرطة القضائية.
ولقد جاءت هذه الدورات التكوينية لتعكس الرغبة التي تحذونا جميعا من أجل إيجاد الصيغ المناسبة لتعزيز آليات التعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة المشرفة على تدبير العدالة الجنائية ببلادنا بهدف تجاوز كل الصعوبات التي تعترض بناء عدالة جنائية مواطنة قوية وناجعة تستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين، كما شكلت أيضاً مناسبة عبرت من خلالها المؤسسات الثلاث رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي عن وعيها الكبير بأهمية الالتقائية فيما بينهم من أجل تحقيق مختلف الأهداف والمرامي التي تدفع قدما بالعدالة المغربية والتي من بين أهمها التكوين المستمر والاعتناء بالعنصر البشري باعتباره الفاعل الأساسي في مجال العدالة الجنائية من خلال تعزيز قدراته التقنية والقانونية والمعرفية في مجال البحث والتحقيق والتحري وتحسيسه بأهمية التحلي بمبادئ النزاهة والحياد والسلوك القويم أثناء أو بمناسبة مباشرة مهامهم باعتبارها مقومات أساسية كفيلة بتعزيز منظومة القيم والأخلاقيات المهنية التي ستساهم لا محالة في تخليق الحياة العامة داخل المجتمع.
حضرات السيدات والسادة؛
في هذا الإطار يأتي لقاؤنا اليوم من أجل تتبع ومواكبة تنزيل مخرجات الدورات التكوينية الجهوية التي انعقدت في سياق مواصلة ما تم التأسيس له بمقتضى اللقاء التنسيقي الأول المنعقد بالمعهد العالي للقضاء يومي 11 و12 يونيو من سنة2021، حيث شكلت هذه الدورات مناسبة لبسط الاكراهات والإشكالات التي تعترض حسن سير العدالة الجنائية ببلادنا وتحد من نجاعتها، كما شكلت فرصة لتبادل الرؤى حول الحلول الممكنة لتجاوزها، لا سيما في ظل إيماننا القوي والراسخ بكون العدالة الجنائية تبقى من أهم الآليات الضامنة لسيادة الأمن والنظام و الاستقرار داخل المجتمع، مما يفرض على الفاعلين في إطارها التعاطي بالجدية اللازمة والصارمة مع الجرائم المرتكبة وإيقاف مقترفيها والبحث معهم بشأنها وجمع الأدلة عنها مع مراعاة كل الضوابط القانونية المؤطرة للبحث الجنائي بما في ذلك تلك التي لها صلة بضمان حقوق المشتبه فيهم والضحايا.
ومن البديهي أنه لا يمكن لهذه الغايات أن تتحقق إلا إذا تحلي الشخص المكلف بالبحث الجنائي بمبادئ الموضوعية والحياد والتشبع بثقافة حقوق الانسان التي تجعله قادراً على ضمان تمتيع المشتبه فيهم بكافة الحقوق الممنوحة لهم قانونا، مع ضرورة توفره على حس انساني يمكنه من حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم بلطف ولين تكريسا لحق تيسير الولوج إلى العدالة، بالإضافة إلى مراعاته للضوابط الأخلاقية والمهنية أثناء مباشرة المهام المنوطة به وفق ما يضمن شفافية البحث والإجراءات المرتبطة به، ويشيع الاطمئنان لدى كافة أطراف الخصومة الجنائية.
وإلى جانب هذه المواضيع، استهدفت الدورات التكوينية كذلك البحث عن الآليات الكفيلة بتجويد أساليب البحث الجنائي وتكريس مبادئ النزاهة والشرف والمروءة لدى المكلفين بإنجازها وتطوير قدراتهم بشأن إدارة البحث من خلال طريقة الاستماع وانتقاء الأسئلة الهادفة والمثمرة والبحث عن الأدلة والتفاعل الإيجابي مع كل المعطيات التي قد تفيد في النازلة موضوع التحري، وتفادي الإجراءات التي قد تعرقل حسن سيره أو تعطل مساره، وتحسيسهم بأهمية مواكبة التطور الذي صاحب ارتكاب بعض الجرائم من خلال تعزيز قدراتهم بخصوص اعتماد الأدلة العلمية والرقمية والخبرات التقنية، وكيفية أخذ العينات من مسرح الجريمة حفاظا على آثارها، خاصة إذا ما تم استحضار أهمية ذلك في فك لغز الجرائم المعقدة التي يعتمد مرتكبوها على وسائل تقنية وعلمية يصعب الكشف عنها بواسطة طرق البحث التقليدية.
حضرات السيدات والسادة؛
إن أهمية انعقاد هذا اللقاء التنسيقي اليوم يكمن في كونه سيؤسس لمرحلة جديدة من ضبط آليات التنسيق وتوحيد أساليب العمل بين مكونات الشرطة القضائية والنيابة العامة وسيتم استخلاص ذلك من قيمة المواضيع التي سننكب على تدارسها جميعا والتي ترتبط بالمحاور التي سبق الاشتغال عليها في اللقاءات الجهوية السابقة والمتمثلة في تدبير الأبحاث الجنائية، وتعزيز التواصل وتكريس المبادئ والقيم الأخلاقية، والبحث الجنائي وحماية حقوق الإنسان. ولقد تمت برمجة مجموعة من المداخلات في إطار هذه المحاور أثيرت من خلالها أهم الصعوبات والإكراهات التي تعيق البحث الجنائي والحلول المقترحة لذلك.
ومن باب التذكير فقد انصب النقاش في المحور المتعلق بتدبير الأبحاث الجنائية على مناقشة مجموعة من القضايا المرتبطة بكيفية تجويد أساليب البحث الجنائي وإنجازه داخل أجل معقول مع احترام حقوق المشتبه فيهم والضحايا على حد سواء وفق ما تم النص عليه بمقتضى الدستور المغربي لسنة 2011 وقانون المسطرة الجنائية وباقي القوانين ذات الصلة، مع استلهام أهم الممارسات الفضلى وتعميمها على كافة مصالح الشرطة القضائية بكل أصنافها.
بالإضافة إلى التطرق لأبرز الاجتهادات القضائية المرتبطة بالبحث الجنائي، وكذا مناقشة أهمية الدليل العلمي في إنتاج عدالة سليمة من الخطأ خاصة في ما يتعلق بالجرائم التي يعتمد منفذوها على الوسائل الحديثة والتكنولوجية، إلى جانب إثارة الصعوبات التي تصاحب تدبير برقيات البحث والمرتبطة أساسا بمحدودية تنظيمها القانوني مما يفرض تدخلا تشريعيا لتجاوز هذا الإشكال.
أما في ما يتعلق بالمحور الثاني الذي خصص لموضوع في غاية الأهمية فيتعلق بتعزيز التواصل وتكريس المبادئ والقيم الأخلاقية. حيث تم التأكيد خلاله على اعتبار التواصل مع المرتفقين والانصات لتظلماتهم بمهنية سواء من طرف المسؤولين عن النيابات العامة وقضاتها، أو من طرف ضباط الشرطة القضائية من ضمن الواجبات المفروضة عليهم انطلاقا من وظيفتهم المتجسدة أساسا في خدمة مرتفقي العدالة وحفظ حقوقهم، كما تعد من بين المداخل الأساسية لمحاربة ظاهرة السمسرة والنصب التي تستهدف المواطنين بسبب نقص التواصل من طرف أجهزة العدالة.
بينما اهتم المحور الثالث بمعالجة موضوع البحث الجنائي وحماية حقوق الإنسان حيث تم استعراض أهم الحقوق المكفولة للمشتبه فيهم بمقتضى المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان والتي صادقت عليها المملكة المغربية، وأخذتها بعين الاعتبار في دستورها وقانون المسطرة الجنائية والتي يتعين مراعاتها من طرف الأجهزة المكلفة بالبحث الجنائي، والتي في حال الإخلال بها تكون المملكة المغربية محل مساءلة من طرف الآليات الأممية المختصة، وهو ما يفرض التعاطي بإيجابية تامة مع كل الحقوق الواجبة للمشتبه فيهم وكذا الضحايا.
ومن جهة أخرى وبحكم العناية الواجبة للمرأة والتصدي لكل الاعتداءات التي تتعرض لها مادية كانت أو معنوية، فقد تم التأكيد على أهمية البحث الجنائي في ضمان حقوق المرأة والطفل المرتبطة بحمايتهما الجسدية والمعنوية في إطار ما ينص عليه القانون.
ولقد خلصت أشغال هذه الدورات التكوينية إلى مجموعة من التوصيات والمخرجات التي تضمنت جملة من المقترحات لتجاوز المعيقات العملية بناء على التجربة المهنية التي راكمتموها طيلة مدة اشتغالكم وممارستكم لمهام الشرطة القضائية. وهذه الحلول تم اعتمادها ضمن التقارير الختامية الخاصة بكل دورة تكوينية وكذا التقرير التركيبي الشامل لكل هذه الدورات.
حضرات السيدات والسادة؛
سيرا على النهج الذي تتبناه رئاسة النيابة العامة والمرتكز على تتبع مخرجات كافة اللقاءات التي تنظمها مع شركائها من اجل ضمان التفعيل الأمثل لها، ولنا في الاجتماع التنسيقي الذي انعقد بالمعهد العالي للقضاء يومي 11 و12 يونيو من سنة 2021 خير دليل على ذلك، حيث لا زلنا نعمل على تتبع التوصيات الصادرة عنه بمعية شركائنا في المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي والذي بفضله تم تحقيق العديد من المكاسب والتغلب على العديد من الصعوبات.
وها نحن اليوم نلتئم مجدداً في هذا اللقاء التنسيقي الذي يروم تدارس كيفيات تنزيل التوصيات والمخرجات المستخلصة عقب المناقشات التي تمت في إطار الدورات التكوينية الجهوية والبحث عن آليات تنزيلها وتفعيلها بالشكل الأمثل سواء من حيث تحديد الجهات المعنية بهذا التفعيل وآجاله ووضع مؤشرات للتقييم وضمان تتبع تنفيذها، آملين من وراء ذلك كله وضع الأسس الكفيلة لبناء عدالة جنائية متينة تستجيب لتطلعات رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.
لذلك أهيب بكم التعاطي بإيجابية وبمسؤولية وفق ما عهدنا فيكم مع كل التوصيات ومناقشتها وطرح الإكراهات التي قد تعترض تنزيلها مستحضرين في ذلك المصلحة العليا للوطن والمواطن، على أمل الخروج بتوصيات نهائية يتم تبنيها والتي سوف تكون مؤطرة لعملنا جميعا كمؤسسات مركزية وأنتم كفاعلين في الميدان.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أجدد شكري للسيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والسيد قائد الدرك الملكي على انخراطهما ومواكبتهما لكل الدورات التكوينية المنظمة لفائدة الأجهزة المكلفة بتنفيذ القانون وحرصهما على نجاحها، والشكر موصول كذلك للمسؤولين القضائيين بالنيابات العامة وقضاتها والسادة مسؤولي الشرطة القضائية بالإدارات المذكورة والسادة ولاة الأمن ونوابهم والساد رؤساء القيادات الجهوية للدرك الملكي على تكبدهم مشاق السفر لحضور أشغال هذا اللقاء وما يتحلون به من مسؤولية وحس مهني عال سيساهم لا محالة في ضمان التنزيل الأمثل للمخرجات والتوصيات التي أسفرت عنها الدورات التكوينية وفق ما يعزز ثقة المواطن في عدالة بلاده والرفع من مستوى نجاعتها تماشيا مع تطلعات صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتأييد، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وكافة أسرته الشريفة إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
https://alhadet.com/wp-content/uploads/2023/11/IMG-20231108-WA0043.jpg
Share this content:
إرسال التعليق