لطيفة أحرار… بين منطق الاستحقاق وإشكالية الاستثناء - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

لطيفة أحرار… بين منطق الاستحقاق وإشكالية الاستثناء

IMG-20251102-WA0060

أثار خبر تعيين الفنانة المغربية لطيفة أحرار أستاذةً بالتعليم العالي موجة واسعة من الجدل، لمجرد أنه أعاد إلى الواجهة سؤالاً قديماً متجدداً حول عدالة معايير التوظيف في المؤسسات العمومية، خاصةً في ظل استمرار العمل بسقفٍ عمري محدد في 35 سنة لولوج مباريات التعليم، وهو شرط يُقصي تلقائياً آلاف الحاصلين على الشهادات العليا من سباق الالتحاق بالمهنة.

 

لا جدال في أن لطيفة أحرار اسمٌ بارز في الساحة الفنية المغربية، ومسيرتها الممتدة على مدى عقود تشهد لها بموهبة أصيلة واشتغالٍ جادّ على الذات، تُوِّج بالحصول على الدكتوراه في الدراسات المسرحية. لكن السؤال الذي طرح نفسه بقوة ليس حول كفاءتها أو استحقاقها، بل حول الآليات التي تُمكّن البعض من تجاوز القيود القانونية، بينما يظلّ آخرون أسرى لها دون استثناء.

 

توظيف الفنانة في مؤسسة أكاديمية عليا يُمكن قراءته من زاويتين متباينتين: الأولى، باعتباره تثمينا وطنياً لمسار إبداعي راكم تجربة وخبرة نادرتين تستحق أن تُستثمر في التكوين الفني للأجيال الجديدة؛ والثانية، باعتباره مؤشراً على هشاشة مبدأ تكافؤ الفرص، حين يُفتح الباب في وجه قلة دون غيرهم، تحت عناوين “التميز” أو “الاستثناء”.

 

غير أن خطورة هذه القضية لا تكمن في شخص المعنية بالأمر، بل في الرسائل الرمزية التي تُوجَّه إلى الشباب المغربي، الذي يواجه جداراً من الشروط والعراقيل الإدارية، فيما يرى أن الاستثناءات لا تزال ممكنة للبعض دون سواهم.

فالثقة في المؤسسات لا تُبنى على النوايا، بل على العدالة الإجرائية، وعلى وضوح المساطر، لأن الشفافية لا تُهدّد أحداً، بل تحمي الجميع.

 

يدرك المتتبع المنصف أن التعليم العالي يختلف في قوانينه عن التعليم المدرسي، وأنه يُتيح أحياناً استقطاب الكفاءات المتميزة خارج القيود العمرية. غير أنّ المشكل يكمن في غياب التواصل المؤسساتي الواضح، الذي يُفسّر للرأي العام دواعي هذه الاختيارات، حتى لا تتحول القرارات الأكاديمية إلى مادةٍ للجدل أو التشكيك.

 

إن ما يحتاجه البلد اليوم ليس فقط كفاءاتٍ جديدة، بل نظاماً عادلاً في استقطابها، يوازن بين احترام القوانين ومرونة استيعاب المتميزين. فحين تُحترم القاعدة ويُشرح الاستثناء، تُصان هيبة القانون وتُستعاد ثقة المواطن.

 

فالفنّ، في نهاية المطاف، لا يُقاس بعدد الأضواء، بل بقدر ما يسهم في بناء وعيٍ عادلٍ ومنصفٍ للمجتمع.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث