زيرو تفاهة… موقف جماعي يطالب بتنظيف الفضاء الرقمي
تعيش منصات التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة على وقع موجة واسعة من التفاعل مع شعار زيرو تفاهة الذي أطلقه مستخدمون ضاقوا ذرعًا بسيطرة المحتوى السطحي على المشهد الرقمي. لم تعد القضية مرتبطة بمواقف فردية أو ردود فعل عابرة، بل أصبحت تعبيرًا صريحًا عن وعي مجتمعي يتشكل في مواجهة نمط إعلامي يزداد ابتعادًا عن القيمة والمعرفة والرقي.
لقد أدت سنوات طويلة من انتشار مقاطع بلا مضمون، بحثًا عن الشهرة أو الربح السريع، إلى خلق ظاهرة رقمية متضخمة صنعت نجومية مصطنعة وفرضت معايير جديدة للانتشار، مبنية على الإثارة والابتذال بدل الإبداع والرسالة. وبينما كانت هذه الظواهر تلقى صمتًا أو تساهلًا في السابق، فإن رد الفعل الحاصل اليوم يعكس تحولا مهما في ذوق الجمهور وفي إدراكه لخطورة ما يتابعه أبناؤه داخل هواتفهم.
إن الحملة لا تستهدف الترفيه في حد ذاته، ولا تسعى لفرض رقابة على الناس، بل تريد إعادة الاعتبار للمحتوى الجيد، ولصوت المبدع الحقيقي الذي يجد نفسه محاصرًا بين موجات من الضجيج الرقمي. إنها دعوة إلى احترام عقل المتلقي، وتحذير من الانزلاق نحو ثقافة لا تعترف إلا بعدد المشاهدات وتتناسى أثر الكلمة والصورة والسلوك على وعي المجتمع.
وقد كشف انتشار الشعار عن رغبة صادقة في التغيير، خصوصًا حين عبّر الكثير من الشباب عن حاجتهم إلى محتوى يبني ولا يهدم، يعلم ولا يضلل، ويقدم نماذج تلهم بدل أن تجر إلى القاع. كما أظهرت التفاعلات الواسعة أن الجمهور لم يعد مستعدًا لقبول كل ما يعرض عليه، وأنه قادر على فرض المعايير حين يقرر أن يرفع صوته ويطالب بتنقية الفضاء الرقمي.
إن نجاح هذه المبادرة لا يكمن في رفع هاشتاغ عابر، بل في ما يمكن أن يترتب عنها من سلوك جديد في متابعة المحتوى. فالتغيير يبدأ من قرار بسيط يتخذه المستخدم: لا تتابع ما يسيء لوعيك، وساند من يقدم قيمة، وامنح تفاعلك لمن يستحقه. ومع هذا السلوك الجماعي فقط، يمكن للتفاهة أن تتراجع أمام قوة الوعي.
زيرو تفاهة ليست معركة ضد أشخاص، بل ضد فكرة؛ فكرة أن المتابعين يقبلون بأي شيء، وأن الوعي سلعة يمكن المتاجرة بها. إنها رسالة بأن المجتمع قادر على حماية ذوقه وهويته، وقادر على أن يقول بصوت واضح إن الفضاء الرقمي ليس ملكًا للفارغين، بل فضاء يجب أن يعكس مستوى هذا الشعب وطموحه وقيمه.









