Categories
الثقافة وفن

فاطمة عاطف.. ابنة مريرت التي حملت وجع الأطلس إلى شاشة الوطن

في طنجة، مساء الخامس والعشرين من أكتوبر، لم يكن المهرجان الوطني للفيلم مناسبة فنية عادية، بل لحظة وفاء لجيل صنع حضوره بالصمت والصدق. داخل القاعة الكبرى لقصر الثقافة والفنون، انبعثت الأضواء وارتفعت العدسات استعداداً لتكريم الفنانة فاطمة عاطف، ابنة مريرت الأطلسية، التي أثبتت أن الفن يمكن أن يكون فعلاً وجودياً قبل أن يكون مهنة أو شهرة.

منذ لحظة إعلان اسمها، عمّ تصفيق طويل، بدا كأنه اعتراف جماعي بمسار فني استثنائي. ومع أولى كلماتها، صدحت فاطمة بمواويل أمازيغية عابقة بروح الجبال، لامست الوجدان وذكّرت الجميع بأن الفن الصادق لا يُصنع في المدن الكبرى فقط، بل يولد في القرى والبلدات التي تنحت أبناءها بالصبر والكفاح.

وُلدت فاطمة عاطف في بلدة مريرت، حيث تشربت مبكراً القيم البسيطة والصلبة التي تميز أبناء الأطلس المتوسط. في فصول كوليج مريرت – الذي سيُعرف لاحقاً باسم ثانوية أم الربيع – بدأت ملامح الموهبة تتفتح. كانت تسرق الأنظار في العروض المسرحية المدرسية، بصوتها القوي وإحساسها العميق بالشخصية، حتى إن أساتذتها كانوا يدركون أن الطفلة الهادئة تحمل في داخلها فنانة استثنائية.

تلك البدايات البسيطة كانت بذرة لمسار سينمائي ناضج، حيث حملت فاطمة عاطف معها ذاكرة مريرت إلى كل مشهد أدّته، وشيئاً من ذلك النقاء الجبلي الذي يجعلها تؤدي الدور كما لو أنها تحكي عن حياة من لحم ودم.

لا تكثر فاطمة من الظهور الإعلامي، لكنها حين تظهر، تملأ الشاشة بحضورها المرهف. أدوارها ليست مجرد تمثيل، بل مواجهات وجودية مع الذات. ففي “مباركة” كانت المرأة التي تصارع قدرها بصمت، وفي “أبي لم يمت” جسدت الألم الإنساني بين الحياة والموت، أما في “ميرا” فبدت كأنها تائهة بين الحلم والواقع، تلتقط من كل شخصية جزءاً من الحقيقة وجزءاً من الحنين.

تختار فاطمة أدوارها بعناية، كما لو كانت تختار اعترافاً جديداً أمام مرآة الروح. إنها تمارس التمثيل كما يُمارس التأمل، تفتح الجراح لتشفيها على مهل أمام الكاميرا. لهذا تبدو أعمالها قليلة العدد، لكنها كثيفة الأثر.

تكريمها في طنجة لم يكن مجاملة، بل اعترافاً بمسار فني يُعيد الثقة في أن الصدق وحده يكفي ليصنع المجد. حين غنت باللسان الأمازيغي الأصيل، كانت كأنها تُهدي الجائزة إلى مدينتها مريرت وإلى جبال الأطلس التي أنجبتها.

لقد برهنت فاطمة عاطف أن الفنان الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج ليصل، يكفيه أن يحمل ذاكرة صادقة ووهجاً داخلياً يضيء أينما حلّ. من فصول ثانوية أم الربيع إلى قاعات السينما المغربية، تظل فاطمة واحدة من تلك الأصوات التي تجعل الفن شكلاً من أشكال المقاومة الجميلة.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة جهات

انهيار جزئي بمعلمة “دار البحر كسمار” بطرفاية يدق ناقوس الخطر ويستدعي تدخلًا عاجلًا

تعيش مدينة طرفاية، هذه الجوهرة الأطلسية الهادئة، على وقع قلق متزايد عقب تسجيل انهيار جزئي جديد في معلمة “دار البحر كسمار”، أحد أعرق المعالم التاريخية التي تزين الساحل الأطلسي، والتي يعود تاريخ تشييدها إلى سنة 1879. هذا الانهيار، الذي طال الجدار الصخري السفلي للبناية، جاء نتيجة الأمواج العاتية والتآكل الطبيعي المستمر الذي يضرب قاعدة المبنى بشكل يومي، ما جعل المعلمة تواجه خطر الاندثار الكامل إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة للحفاظ عليها.

 

تُعتبر “دار البحر كسمار” أكثر من مجرد بناء حجري عتيق؛ فهي شاهد تاريخي على مرحلة حافلة من تاريخ طرفاية، حين كانت نقطة تلاقي بين البحر والصحراء، وملتقى للتجار والمستكشفين الأوروبيين. وقد تحولت مع مرور الزمن إلى رمز للهوية المحلية ومرجع ثقافي يختزل ذاكرة المدينة وعمقها الحضاري.

 

غير أن ما تشهده المعلمة اليوم من تآكل وإهمال يثير الكثير من علامات الاستفهام حول غياب تدخل فعّال ومستدام لحمايتها. فبالرغم من التحذيرات المتكررة التي أطلقها فاعلون جمعويون ومهتمون بالتراث، ما زال الموقع عرضة للخطر، في ظل غياب تدخلات تقنية عاجلة لتدعيم الأساسات وإيقاف زحف البحر نحو جدرانها.

 

ويؤكد عدد من سكان المدينة أن استمرار هذا الوضع سيؤدي لا محالة إلى خسارة لا تُعوض لمعلمة تاريخية تشكل جزءًا من الذاكرة الوطنية. كما دعا نشطاء محليون إلى ضرورة تعبئة الجهود بين السلطات المحلية ووزارة الثقافة والمجالس المنتخبة من أجل إعداد مشروع متكامل للترميم والصيانة، يراعي الخصوصية التاريخية والمعمارية للموقع، ويحافظ على رمزيته الثقافية والسياحية.

 

في المقابل، يرى مراقبون أن معالجة مثل هذه القضايا تتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تنطلق من قناعة بأن التراث ليس عبئًا ماليًا، بل استثمارًا في الهوية والتنمية. فالحفاظ على المعالم التاريخية يعكس وعي المجتمعات بأهمية ماضيها، كما يسهم في تعزيز جاذبية المدن الساحلية مثل طرفاية التي تمتلك مؤهلات فريدة للسياحة الثقافية والبيئية.

 

إن ما يحدث في دار البحر كسمار ليس مجرد حادث عرضي، بل جرس إنذار حقيقي يدعو إلى التحرك المسؤول قبل أن يتحول الانهيار الجزئي إلى فقدان شامل لمعلمة تشهد على قرن ونصف من التاريخ. فالتعامل الجاد مع هذا الملف ليس خيارًا، بل واجب وطني وأخلاقي يفرض نفسه دفاعًا عن الذاكرة الجماعية وحفاظًا على إرثٍ يستحق البقاء.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة جهات

اختتام تالكَيتارت يؤكد ان الموسيقى جسر بين أكادير وافريقيا

أسدل الستار، مساء السبت 25 أكتوبر 2025، على فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للقيتارة “تالكَيتارت”، الذي احتضنته مدينة أكادير على مدى ثلاثة أيام من الإبداع والفرجة الموسيقية الإفريقية والعالمية، في أجواء احتفالية استثنائية أجمعت على نجاح الحدث من حيث التنظيم والإقبال الجماهيري والتنوع الفني والثقافي الذي طبع هذه النسخة.

فقد شهدت ساحة سينما صحراء وساحة ولي العهد وشارع علال بن عبدالله توافد آلاف الزوار والمحبين للموسيقى من داخل المدينة وخارجها، ممن ملأوا الفضاءات العامة طيلة أيام المهرجان، في مشهد عفوي جسّد عشق الأكاديريين للفن وارتباطهم العميق بروح مدينتهم التي تنبض بالإيقاع والحياة.

وجاءت السهرة الختامية لتكون بمثابة تتويج لرحلة موسيقية جمعت القارة الإفريقية في قلب أكادير، حيث اعتلت المنصات فرق موسيقية من المغرب، الجزائر، بوركينا فاسو، ومالي، قدمت عروضًا فنية عالية المستوى ألهبت حماس الجمهور الذي تابع فقرات المهرجان حتى منصف الليل.

ففي ساحة سينما صحراء خلال السهرة الختامية، أبدع الفنان سليف ديارا من بوركينا فاسو في عزف أنغامٍ مفعمة بالروح الإفريقية الأصيلة، تفاعل معها الجمهور بحرارة كبيرة، قبل أن تصعد إلى المنصة مجموعة إيزوران ن صحراء القادمة من زاكورة لتقدم وصلة موسيقية أمازيغية صحراوية تمزج بين الهدوء والتأمل ودفء الإيقاع. كما كان للحضور الأكاديري موعد خاص مع باشكو كَناوة من أكادير، الذي قدم عرضًا مميزًا جمع بين الأصالة الكناوية والإبداع العصري في توليفة فنية فريدة.

أما ساحة ولي العهد، فقد تحولت إلى فضاء مفتوح للفرح والإيقاع، حيث تألقت المجموعة الأمازيغية يوبا بوند بعرض قوي ألهب الحاضرين بإيقاعاتها النابعة من عمق التراث السوسي، قبل أن تطل الفنانة فاتوماتو سوبيكا من بوركينا فاسو بصوتها القوي الذي شدّ الأنظار ولامس القلوب. كما خطف الفنان عزيز سحماوي الأضواء بعرضه الموسيقي المفعم بالتنوع والإبداع، فيما اختتم السهرة الفنان قادر ترهانين من الجزائر بإيقاعات الطوارق التي حملت الجمهور إلى عمق الصحراء الكبرى في لحظة ختامٍ ساحرة.

وشكّل هذا المزيج الموسيقي بين الإفريقي والأمازيغي والعالمي لوحةً فنية متكاملة، أبرزت رسالة المهرجان في جعل القيتارة جسراً للتواصل الإنساني والتلاقح الثقافي بين الشعوب، ورسّخت مكانة أكادير كعاصمة للأنغام وملتقى للفنانين من مختلف القارات.

هذا واكد السيد سعيد موطيع مدير هذه الفعاليات، في ختام التظاهرة، أن الدورة الثالثة من “تالكَيتارت” كانت الأنجح منذ انطلاق المهرجان، سواء من حيث جودة البرمجة أو حجم المشاركة الدولية أو التفاعل الجماهيري الكبير الذي فاق كل التوقعات، مشيرا إلى أن نجاح هذه النسخة ما كان ليتحقق لولا دعم عدد من الشركاء المؤسساتيين، من ضمنهم ولاية جهة سوس ماسة، مجلس الجهة، الجماعة الترابية لأكادير، المعهد الفرنسي، ومجموعة من المؤسسات الإعلامية والثقافية.

كما عبّر القائمون على المهرجان عن شكرهم العميق لجمهور أكادير وزوار المدينة الذين شكلوا الصورة الأجمل لهذه التظاهرة، بحضورهم الكثيف وروحهم الإيجابية وتفاعلهم الراقي مع مختلف العروض، مما منح الحدث طابعًا احتفاليًا استثنائيًا وأضفى على المدينة أجواءً من الفرح والتنوع الثقافي.

واختُتمت فعاليات “تالكَيتارت 2025” على أنغامٍ جماعيةٍ امتزجت فيها القيتارة الإفريقية بالصوت الأمازيغي في لحظة إنسانية مؤثرة، جسّدت جوهر المهرجان القائم على المحبة والسلام والتسامح، لتؤكد أكادير من جديد أنها مدينة الإبداع وذاكرة الموسيقى الإفريقية، وأنها ما تزال تعزف بكل شغف أنغام الحياة.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة جهات

سعيد مطيع، تالكَيتارت جسر موسيقي يعانق إفريقيا ويمنح أكادير بريقها الثقافي

في ختام الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للقيتارة “تالكَيتارت”، الذي احتضنته مدينة أكادير من 23 إلى 25 أكتوبر 2025، التقينا سعيد مطيع، مدير المهرجان، في حوار قصير تحدث فيه عن خصوصية هذه النسخة التي جمعت ألوان الإبداع الإفريقي والمغربي، وعن رؤية المنتدى في جعل أكادير منصة عالمية للموسيقى والثقافة، كما وجه رسالة تقدير لكل الشركاء والداعمين الذين أسهموا في نجاح هذا الحدث الفني الكبير.

ما الذي يميز دورة هذه السنة من مهرجان تالكَيتارت عن الدورات السابقة؟

تميزت دورة هذه السنة بانفتاحها الكبير على إفريقيا، من خلال مشاركة فرق موسيقية من مالي والسنغال وبوركينا فاسو، إلى جانب فرق مغربية وأوروبية، ما جعل أكادير تعيش لحظات فنية تعكس غنى وتنوع الإبداع الإفريقي، كما حرصنا على توسيع فضاءات العروض لتشمل ساحة سينما صحراء وساحة ولي العهد، مع تخصيص فقرات للشباب والهواة لتشجيع المواهب الصاعدة في مجال القيتارة.

كيف يساهم المهرجان في ترسيخ الهوية الثقافية لمدينة أكادير وتعزيز إشعاعها الفني؟

مهرجان تالكَيتارت أصبح اليوم حدثاً ثقافياً له بصمة واضحة في المشهد الفني لأكادير، نحن نشتغل على جعل المدينة مركزاً عالمياً للفنون والقيتارة، ومكاناً للقاء الثقافات، المهرجان ينعش السياحة، ويمنح الجمهور المحلي تجربة موسيقية غنية ومجانية، مما يعزز الانتماء الثقافي ويقوي صورة أكادير كمدينة الفن والتنوع.

ما الرسالة التي يوجهها مهرجان تالكَيتارت من خلال هذه التظاهرة الدولية؟

رسالتنا بسيطة وعميقة في الآن نفسه، فالموسيقى لغة إنسانية توحد الشعوب، من خلال القيتارة، نحتفي بالحوار والتعايش ونؤكد أن المغرب بلد الانفتاح والسلام، نريد أن تصل أنغام أكادير إلى كل القارات لتقول إن الفن هو الجسر الأجمل بين الإنسان وأخيه الإنسان.

ما الرسالة التي يوجهها منتدى أكادير ميموري بعد اختتام الدورة الثالثة من مهرجان تالكيتارت؟

يتوجه المنتدى، باسم جميع أعضائه، بخالص الشكر والتقدير لكل الجهات الداعمة لمشروعه الثقافي، ولجمهور وزوار أكادير على تفاعلهم الكبير مع فعاليات المهرجان، كما نوجه الشكر إلى والي جهة سوس ماسة عامل عمالة أكادير إداوتنان، و مجلس الجهة، والجماعة الترابية لأكادير ومصالحها، والقوات المساعدة، ورجال الأمن، والمعهد الفرنسي، وساكنة وزوار المدينة، وجميع الصحفيين، وفعاليات المجتمع المدني.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة جهات رياضة

مهرجان أسا الدولي للألعاب الشعبية يحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء بحضور دولة ايطاليا

تستعد مدينة أسا، حاضرة إقليم أاسا الزاك، في الفترة الممتدة من 5 إلى 9 نونبر 2025، لاحتضان فعاليات الدورة الثانية من مهرجان أسا الدولي للألعاب الشعبية، وهي تظاهرة كبرى تنظمها جمعية أسا للثقافة والتنمية الاجتماعية والرياضة والتواصل، بشراكة مع عمالة إقليم أسا الزاك وبدعم من مجلس جهة كلميم وادنون، وبتنسيق مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إلى جانب فعاليات المجتمع المدني والهيئات الوطنية المهتمة بالتراث اللامادي.

ويأتي تنظيم هذه النسخة في إطار الاحتفالات الوطنية المخلدة للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، تحت شعار: الألعاب الشعبية.. تواصل وإبداع وتعريف بالقضية الوطنية”، وهو شعار يعكس عمق البعد الثقافي والوطني للتظاهرة التي تسعى إلى إبراز الدور الذي تلعبه الألعاب الشعبية في صون الهوية المغربية والتعريف بعدالة القضية الوطنية لدى الأجيال الصاعدة، وتشبث سكان هذا الإقليم بأهداب العرش العلوي المجيد، والتجديد الدائم والمسترسل لايات وفروض البيعة والطاعة والولاء، لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وسيتميز المهرجان هذا العام بحضور دولة إيطاليا كضيف شرف، حيث ستتم استضافة ممثلين عن بلديتي “توانو – Toano” و”كاستلنوفو ني مونتي – Castelnovo ne’ Monti”، في إطار تعزيز جسور التعاون الثقافي والرياضي بين المغرب وإيطاليا. وتبادل الزيارات في اطار برتكول الصداقة والتعاون بين الطرفين. كان قد تم توقيعه منتصف السنة الجارية.

وتتضمن برمجة المهرجان مجموعة من العروض الفنية والرياضية والتراثية، إلى جانب ندوات فكرية وورشات للأطفال والشباب، وأنشطة تراثية تعرف بمختلف الألعاب الشعبية المغربية والأجنبية، إضافة الى سباق المسيرة الخضراء، الذي سينظم على الطريق في نسخته الأولى، في سعي إلى جعل أسا منصة للتبادل الثقافي بين الشعوب من خلال الرياضة والرياضات التقليدية والألعاب الشعبية.

ويرتقب أن يشكل هذا الموعد الدولي مناسبة للاحتفاء بالتنوع الثقافي المغربي، وتعزيز حضور التراث اللامادي في المشهد الثقافي الوطني، وترسيخ قيم التواصل والإبداع والانتماء للوطن لدى مختلف فئات المجتمع.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الثقافة وفن المبادرة الوطنية الواجهة ثقافة و أراء متفرقات مجتمع

المجتمع المدني… حين يبدأ البناء من القاعدة لا من القمة

 

في زمن تتراجع فيه الثقة بالمؤسسات، يبرز سؤال جوهري: كيف نبني مجتمعًا مدنيًا قويًا وفاعلًا؟ الجواب لا يكمن في القوانين أو الشعارات الكبرى، بل في إعادة الاعتبار إلى البناء من الأسفل، من المواطن البسيط، من المدرسة، ومن الفضاءات الجمعوية والنقابية والحزبية التي تُغرس فيها قيم المواطنة الحقيقية.

المدرسة اليوم، رغم أهميتها، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى فضاء لتلقين الدروس وحفظ المقررات، هدفها النهائي هو النجاح في الامتحان لا النجاح في الحياة. أما التربية على المواطنة، على المشاركة، على المسؤولية ونكران الذات، فقد تراجعت لصالح منطق النقط والشواهد.

وهنا يظهر دور المجتمع المدني بمختلف مكوناته — الجمعيات، النقابات، والأحزاب — كمدرسة ثانية تربي على الالتزام الجماعي، وتعلّم الفرد أن يتجاوز ذاته من أجل الصالح العام. فالجمعية الحقيقية تزرع في الإنسان روح المبادرة والعطاء التطوعي، والنقابة تعلّمه الدفاع عن الحقوق بروح تضامنية لا أنانية، والحزب السياسي الحقيقي يُكوّنه على الممارسة الديمقراطية ومفاهيم المصلحة الوطنية لا المصالح الشخصية.
غير أن التجربة الميدانية أظهرت في العقود الأخيرة محاولات لطمس هذه الأدوار النبيلة. فقد تم إغراق المشهد الجمعوي بجمعيات صورية “صفراء” تُنشأ بتمويلات ضخمة لتلميع واجهات سياسية أو انتخابية، بدل أن تكون صوتًا للمجتمع. وتم تفريخ نقابات عديدة لتشتيت القوة العمالية وإضعاف قدرتها التفاوضية، كما أن إنشاء أحزاب كثيرة تفتت المشهد السياسي وتشوش على الوعي الجماعي، حتى لم يعد المواطن يعرف من يمثل من، ومن يدافع فعلاً عن مصالحه.

إن بناء مجتمع مدني من الأسفل يعني العودة إلى الأصل: إلى الإنسان كمحور للتنمية، إلى المدرسة كمصنع للقيم، إلى الجمعية كفضاء للتطوع، إلى النقابة كصوت للكرامة، وإلى الحزب كأداة للمشاركة والتغيير.

فالمجتمع المدني لا يُبنى بقرارات فوقية، بل بتراكم التجارب الصادقة في الميدان. وكلما انطلقت المبادرات من القاعدة الشعبية، من الحي، من المدرسة، من فضاءات العمل، كلما أصبح البناء أكثر صلابة واستدامة.

لأن المجتمع المدني الحقيقي ليس زينة ديمقراطية، بل قوة اقتراح ومراقبة وبناء. ولن يتحقق ذلك إلا حين نعيد الثقة إلى المواطن، ونمنحه الأدوات ليكون فاعلًا لا متفرجًا.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة

زورا تانيرت تخطف الأضواء بساحة صحراء.. وعلي فايق يلهب منصة ولي العهد في اليوم الثاني من تالكيتارت

تتواصل بمدينة أكادير مساء الجمعة 24 أكتوبر 2025 فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للقيتارة “تالكيتارت”، الذي ينظمه منتدى أكادير ميموري بشراكة مع مجلس جهة سوس ماسة والمعهد الفرنسي وعدد من المؤسسات المنتخبة والثقافية، وسط أجواء موسيقية نابضة بالحياة تنبض بالإبداع والتنوع.

وقد شكل اليوم الثاني من المهرجان لوحة فنية متعددة الألوان، حيث شهدت ساحة سينما صحراء بحي تالبرجت حضوراً جماهيرياً غفيراً جاء للاستمتاع بأداء الفنانة زورا تانيرت، التي أبهرت الحاضرين بصوتها الدافئ وأدائها المتقن لأغنيات من ريبرتوار الفنان الراحل عموري مبارك، أحد أبرز رموز التجديد في الأغنية الأمازيغية. وقد تفاعل الجمهور مع كل نغمة، ليعيش لحظات موسيقية تجمع بين الشجن والفرح والحنين.

وشهدت السهرة ذاتها مشاركة مجموعة جمال أوصفي التي أبدعت في تقديم مقاطع موسيقية أمازيغية بطابعها الأصيل، إلى جانب مجموعة شريف سيباستيان القادمة من مالي وفرنسا، والتي أضفت لمسة إفريقية عالمية أبهرت الجمهور بأدائها المميز وإيقاعاتها الحيوية.

وفي الجهة الأخرى من المدينة، تحولت ساحة ولي العهد إلى فضاء مفتوح للطاقة والإبداع، حيث صعد الفنان علي فايق إلى المنصة ليقدم عرضاً موسيقياً متميزاً مزج فيه ببراعة بين الآلات الأمازيغية والإيقاعات السوسية الأصيلة، ما جعل الجمهور يتفاعل معه بشكل كبير في أجواء من الفرح والرقص الجماعي.

كما شاركت في السهرة نفسها فرقة كيا لوم القادمة من السنغال والتي نشرت أجواء إفريقية نابضة بالحياة، ومجموعة هند النعيرة من مدينة الصويرة التي أبدعت في دمج الإيقاعات الكناوية مع الموسيقى العصرية، إضافة إلى فرقة تاروا نتينيري من ورزازات التي زينت ختام الأمسية بأنغام صحراوية أصيلة أضفت دفئاً خاصاً على الليلة.

اليوم الثاني من تالكيتارت جسد بامتياز روح المهرجان القائمة على التلاقي الفني والتنوع الثقافي، حيث امتزجت الألحان الأمازيغية والإفريقية والعالمية في انسجام فريد يعكس غنى الهوية الموسيقية المغربية وانفتاحها على الآخر. وقد نوه الجمهور بالتنظيم الجيد وجودة العروض، مؤكدين أن أكادير باتت وجهة فنية عالمية وفضاءً يحتضن الجمال والإبداع.

ومن المرتقب أن يسدل الستار على الدورة الثالثة مساء غدٍ السبت بعروض موسيقية كبرى تجمع عدداً من الفرق المحلية والدولية، في احتفال جماعي بروح القيتارة وتنوع الإبداع الإنساني.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الثقافة وفن المبادرة الوطنية الواجهة ثقافة و أراء جهات سياسة مجتمع

دورة تكوينية حول المهارات القيادية بطانطان بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة

نظمت جمعية طموح الشباب للثقافة والتنمية والتضامن طانطان، بشراكة مع المديرية الجهوية للثقافة بجهة كلميم وادنون، دورة تكوينية حول موضوع “المهارات القيادية” بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة. وقد أقيمت هذه الدورة يومه الجمعة 24 أكتوبر 2025، بالمركز الثقافي بطانطان.

استهدفت الدورة التكوينية تلاميذ المؤسسات التعليمية الثانوية بإقليم طانطان،
من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:

1. تمكين المشاركين من المهارات القيادية اللازمة لتحقيق أهدافهم الشخصية والجماعية.
2. تنمية قدرات المشاركين الشخصية، مثل التواصل الفعال، اتخاذ القرار، وحل المشكلات.
3. تعزيز روح العمل الجماعي والتعاون بين المشاركين، من خلال الأنشطة والتمارين العملية.
4.تحفيز المشاركين على اتخاذ المبادرات والقيادة في مجتمعاتهم.
5.تعزيز الانتماء الوطني لدى المشاركين، من خلال استحضار قيم المسيرة الخضراء المظفرة.
6. تطوير مهارات المشاركين في التواصل الفعال مع الآخرين.
7.تمكين الشباب من المهارات القيادية التي تمكنهم من المساهمة في بناء مجتمعهم.

وقد أطر هذه الدورة الأستاذ إبراهيم الشاوي، الذي قدم مجموعة من المواضيع الهامة المتعلقة بالقيادة والعمل الجماعي.

بدأت الدورة بأداء تحية العلم الوطني، تلتها كلمة ترحيبية من رئيس جمعية طموح الشباب للثقافة والتنمية والتضامن طانطان.

و قد عرفت الدورة التكوينية تفاعلا كبيرا من طرف المشاركين، الذين عبروا عن استفادتهم الكبيرة من المواضيع التي تم تناولها خلال الدورة. كما أشادوا بالجهود التي بذلتها جمعية طموح الشباب للثقافة والتنمية والتضامن والمديرية الجهوية للثقافة بجهة كلميم وادنون لتنظيم هذه الدورة.

و في الختام تم توزيع شواهد المشاركة على التلاميذ وتكريم الأستاذ إبراهيم الشاوي مؤطر الدورة التكوينية.

ثم قراءة برقية ولاء وإخلاص إلى السدة العالية بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة فن

تكريم الفنان محمد عزام “بهلول” في الحفل الختامي للدورة التكوينية “صايب المسرحي لي فيك”

تستعد جمعية إستطيقا للتنمية الفنية والثقافية بمدينة سلا، للاحتفاء بالفنان المسرحي والتلفزيوني والسينمائي والموسيقي محمد عزام، الشهير لدى الجمهور المغربي باسم “بهلول”، وذلك ضمن فعاليات الحفل الختامي للدورة التكوينية «صايب المسرحي لي فيك» في نسختها الثانية. ويأتي هذا التكريم اعترافًا بما قدمه هذا الفنان من إسهامات قوية في الساحة الفنية، وبما يمثّله من تجربة مُلهِمة للجيل الجديد من الشباب المتطلّع إلى شقّ طريقه في مجال الفنون.

وُلد محمد عزام بمدينة فاس سنة 1980، قبل أن يشق طريقه نحو الفن عبر مجموعة من المراحل البارزة، التي سيتم تسليط الضوء عليها خلال لحظة التكريم عبر «مسرحة مساره الفني» من خلال أربع محطات تشكّل مجتمعة خريطة الرجل الفنان ومسيرته الغنيّة.

المحطة الأولى: بين يدي أحمد الطيب لعلج

تُعتبر فترة تكوينه في مدرسة الفنان الكبير أحمد الطيب لعلج من أهم البدايات التي مهّدت لظهور موهبته في المسرح، اختار الانضمام إلى هذه المدرسة التي كانت آنذاك أحد أهم منابع التكوين المسرحي في المغرب، وهناك اكتشف جوهر الخشبة وتشرّب أبجديات الأداء والتمثيل.

المحطة الثانية: عزام الموسيقي

لم يتوقّف بهلول عند حدود التمثيل فقط، بل وسّع دائرة إبداعه لتشمل الموسيقى، حيث قدّم عروضًا تجمع بين الأداء المسرحي واللمسة الموسيقية الكوميدية، معتمدًا على موهبته في إدخال روح الدعابة إلى الأغنية وإلى الفرجة بصفة عامة، ما منحه هويّة فنية متفرّدة تميّزه عن غيره.

المحطة الثالثة: ميلاد شخصية «بهلول»

مع مرور السنوات وتعدد التجارب، وُلدت شخصية «بهلول» التي أحبها الجمهور المغربي وتفاعل معها، خصوصًا في الأعمال التلفزيونية والمسرحية التي جعلت منه اسمًا حاضرًا بقوة في الذاكرة الفنية الشعبية. فهذه الشخصية لم تكن مجرّد قناع كوميدي، بل أداة للبوح الفني والسخرية الراقية التي تُعالج الكثير من جوانب الحياة المجتمعية.

المحطة الرابعة: الطفل الذي صار نجمًا

وتعود بنا هذه المحطة إلى الطفولة، حيث بدأت الملامح الأولى لشغفه بالفنون داخل دار الشباب وبين أنشطة الهواة، قبل أن ينطلق إلى الشاشة المغربية بأعمال من بينها «الربيب» سنة 2004 وسلسلة «خالي عمارة» سنة 2006، ليواصل بعد ذلك مسارًا تصاعديًا مليئًا بالتجارب المتنوّعة التي رسّخت حضوره.

 

إن تكريم محمد عزام «بهلول» ليس مجرد لحظة فنية رمزية، بل هو رسالة صريحة من جمعية إستطيقا مفادها أن الاجتهاد والتكوين والموهبة الحقيقية هي مفاتيح النجاح في عالم المسرح والفنون. كما يُشكّل هذا الحدث فرصة للمشاركين في الدورة التكوينية من الشباب للاستفادة من تجربة فنان استطاع أن يبني اسمه خطوة بخطوة، وأن يجعل من الفن مسار حياة.

بهذا التكريم، تؤكد «صايب المسرحي لي فيك» رؤيتها الهادفة إلى الاحتفاء بالمسار والتجربة قبل الشهرة والأضواء، وإلى دعم الفنانين الذين ظلّوا أوفياء للمسرح باعتباره فضاءً للتعبير الحر ورافعة للوعي والإبداع.

Categories
أخبار 24 ساعة الثقافة وفن الواجهة ثقافة و أراء جهات فن مجتمع

“الصرخة”.. عرض مسرحي يفتح جراح الإدمان على الخشبة بتطوان

في مبادرة فنية وإنسانية نوعية، احتضن المركز الثقافي بتطوان يوم الأحد 28 شتنبر 2025 عرضًا مسرحيًا بعنوان “الصرخة”، نظمته جمعية التعايش للثقافة والفن.
العمل، الذي يصنف ضمن المسرح الدرامي النفسي، تناول واحدة من أكثر القضايا المعاصرة إيلامًا وتعقيدًا: الإدمان وانعكاساته النفسية والاجتماعية على الفرد والمجتمع، مستعينًا بتقنيات السيكو دراما التي تجعل من المسرح وسيلة علاجية وتطهيرية.

العرض، الذي جسده سبعة فنانين باحترافية عالية، حمل توقيع المخرج خليل كطناوي، أحد الرواد في توظيف المسرح كأداة علاجية وتأهيلية. وأوضح كطناوي أن المسرحية استلهمت عناصرها من مدرسة السيكو دراما التي أسسها جاكوب ليفي مورينو، مبرزًا أن الهدف من هذا النوع من العروض هو إعادة بناء التوازن النفسي والاجتماعي للأشخاص الذين عاشوا تجارب قاسية بسبب الإدمان.

من جانبه، وصف الناقد المسرحي عزيز حديم، رئيس جمعية فرقة نجوم الأوبرا، العمل بأنه أول تجربة سيكودرامية في العالم العربي، معتبرًا أنه خطوة جريئة حولت الخشبة إلى مساحة علاج جماعي وتفكير إنساني عميق. وأضاف أن التجربة المغربية في هذا المجال يجب أن تُحتذى بها، لأنها تفتح أفقًا جديدًا للاستثمار الثقافي في فئات تعيش على هامش الاهتمام الفني.

 

من الإدمان إلى الإبداع.. مسارات تطهير

 

وفي سياق متصل، نظمت جمعية التعايش للثقافة والفن يوم الاثنين 15 شتنبر 2025 لقاءً مفتوحًا مع الفنان محمد سعيد العلوي تحت شعار “من الإدمان إلى الإبداع بالفن.. أروي قصتي”.
اللقاء، الذي أدارته الشاعرة والفنانة سعيدة أملال، جاء ضمن برنامج “تطهير”، وهو برنامج تكويني وتأهيلي يهدف إلى بناء القدرات وتطوير المهارات لدى فئة المتعافين من الإدمان عبر الممارسة الفنية والمسرحية.

وخلال اللقاء، استعرض الفنان محمد سعيد العلوي تجربته الشخصية مع العلاج بالمسرح، مبرزًا كيف تحولت معاناته السابقة إلى قوة إبداعية مكنته من الاندماج من جديد في الحياة الفنية والاجتماعية.

كما أكد المتحدث على أهمية الدعم النفسي والجماعي لمرافقة هذه الفئات نحو التعافي والاستقرار.

اللقاء عرف حضور عدد من الشخصيات والفاعلين، من بينهم المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة، ورئيس جمعية الوقاية من أضرار المخدرات – فرع تطوان، إلى جانب أساتذة جامعيين ومهنيين في مجالات العلاج النفسي والاجتماعي.

 

واختُتم اللقاء بتوصيات عملية دعت إلى تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين لإعطاء هذه التجربة بعدًا جهويا ووطنيا، يمكّن من تعميم النموذج على مراكز علاج الإدمان بالمملكة.

 

“الصرخة” و“تطهير”.. وجهان لرسالة واحدة من خلال العمل المسرحي “الصرخة” واللقاء المفتوح ضمن برنامج “تطهير”، تؤكد جمعية التعايش للثقافة والفن بتطوان أن الفن يمكن أن يكون علاجًا بقدر ما هو إبداع، وأن المسرح حين ينفتح على الألم الإنساني، يصبح مساحة للتطهير والتغيير، ومختبرًا لإعادة الأمل إلى النفوس المنكسرة.