ما يجمع بين المغرب و الجزائر أكثر مما يفرق بينهما!
الصادق بنعلال
نتطلع كمغاربيين إلى طي صفحات القطيعة و سوء الظن و الحرب الدبلوماسية والإعلامية غير المجدية، لننتقل إلى محطة مخالفة تسود فيها قيم التآزر و الأخوة و الكرامة. أخلفنا في كثير من المناسبات مواعد البناء والتنمية البنيوية التي لا شك ستعود بالخير على المنطقة بأسرها. لقد “هرمنا من أجل” اللحظة التي نرى فيها شعوب المغرب الكبير وهي تتنقل بسلاسة من بلد إلى آخر و تتواصل بقلوب ملؤها المحبة والتضامن، ليس هناك ما يمنع لقاءً رفيعَ المستوى بين الجارين الشقيقين دون تدخل أجنبي أو وساطة ملغومة، للتعاطي الإيجابي مع الملفات الشائكة بروح مدنية إنسانية متفتحة، تأخذ بعين الاعتبار المصالح الحيوية بعيدا عن التمترس وراء الدوغمائيات الضيقة التي عفا عليها الزمن والتباهي بامتلاك قدرات عسكرية “عملاقة”، فهل قدرُنا أن نستمر في استرجاع أحلام النوم و اليقظة بدل النهوض التنموي الملموس! و في هذا المضمار راودني منذ مدة ومازال “حلم” طرق كياني في النوم واليقظة، ولا أكف عن إطلاع القراء الأعزاء عن محتواه وأبعاده الإنسانية الوارفة، ليقيني أن التكامل الكلي بين المغرب والجزائر بإمكانه أن يجعل المغرب العربي قطبا اقتصاديا وسياسيا استثنائيا ينجو من الاضطرابات العصيبة، ويندفع بخطوات حثيثة في اتجاه النهضة التنموية الهيكلية. و يتبلور هكذا حلم – أمل في إمكانية عقد لقاء قمة بين زعيمي المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية في أجل قريب، من أجل تدارس القضايا الثنائية الحساسة وذات الأولوية، ومختلف المواضيع الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام القطرين الفاعلين في الساحة الإقليمية و الدولية. على أن يكون ذلك وليد تخطيط بناء وجهود فعالة حثيثة من قبل حكماء ورجال الفكر والمعرفة من كلا البلدين، حيث يستغرقون فترات مديدة في التأمل والاستقراء العميق واستجلاء الحقائق؛ ويكون هاجسهم الأوحد، البحث الجدي عن الحلول الكفيلة بخدمة المصالح الاستراتيجية للبلدين الشقيقين، وتحقيق التقدم والرقي والتنمية، التي طالما كانت رغبة ملحة للمغاربيين جميعهم، منذ أن كانوا ينسقون فيما بينهم من أجل دحر الاستعمار الأجنبي وتجسيد عهد الحرية والاستقلال. و قد يدرك بجلاء أهل الخير والسداد في كلا الثغرين أن سنوات الضياع التي أمضياها في الحرب الباردة، والتنافس غير الشريف حول زعامة مفترضة، و مماحكات بيزنطية.. لم يجنوا منها سوى ضروب من الهوان وألوان من الضعة والضعف! و هدر ملايير الدولارات من مال الشعبين البريئين في اقتناء أسلحة “متطورة” وأخرى متقادمة فاقدة للصلاحية، توضع في مخازنها منتظرة مصير التلف والصدأ والتلاشي، والمستفيدون هم تجار الموت و “مبدعو” الحرائق شرقا و غربا. وربما ينصت مسؤولو البلدين الجارين إلى صوت العقل، و لو لأول مرة في تاريخهم الحديث و المعاصر، و يقرروا انتهاج سبيل السلام والوئام والتضامن في أفق نهضة منشودة، عسى أن تشرق الشمس المغاربية في الأعالي، بعد عهود من الغيوم الداكنة والآفاق المكفهرة. وما من شك فإن ما يجمع بين الجزائر والمغرب أكثر مما يفرق بينهما، لكن حرصا على التعاطي الإيجابي البناء مع القضايا الشائكة بينهما، يمكن حصر العناصر المؤرقة ذات الأسبقية بكيفية توافقية و توضع على طاولة المفاوضات الثنائية، دون تدخل أجنبي لا تهمه سوى مصالحه النفعية الضيقة منها: مسألة إعادة النظر في رسم الحدود الموروثة عن الاستعمار، والتي قد تنذر بمواجهات من العيار الثقيل إن لم توضع في ميزان المناقشة الأخوية الصادقة، بعيدا عن لغة الخشب والأساليب الدبلوماسية عديمة الجدوى – فتح الحدود البرية والبحرية والجوية لتنقل الأشخاص والبضائع والمصالح المادية المعطلة، وإلغاء نظام التأشيرة على مواطني البلدين لاستئناف الزيارات الأسرية والعائلية المجمدة عشرات السنين – تقصي البحث في قضايا الاتجار في المخدرات والسلاح والمواد الغذائية غير المراقبة، وموضوع الهجرة الذي أضحى مجالا سالبا ومؤثرا على أي إنجاز تنموي راجح – بعث الاتحاد المغاربي وزرع الحياة فيه مجددا، وضخ الدم في هياكله ومؤسساته المعطلة، لتدارك التأخر الحاصل، وإرضاء المواطنين الذين ينتظرون على أحر من الجمر العدل والكرامة والحرية والسلام .. ! وإذا كانت قضية الصحراء عائقا فعليا في وجه الحلم المغاربي، ووحدة شعوب هذا الحيز الجيوستراتيجي الهام، فإنه من المفروض تجنب الإشارة إليها، وتركها بيد المنتظم الأممي المعني ببؤر الانفجار دوليا. وفي هذا المضمار يلتزم الطرف الجزائري بأن يتوقف عن مناصرة الانفصاليين المغاربة، ويمنع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من أن تتدخل في الشؤون الخاصة بالمملكة المغربية، ويقبل المسؤولون الجزائريون أن يرفعوا أيديهم نهائيا عن مشكل الصحراء، باعتباره مشكلا داخليا بين المملكة المغربية و بين أبنائها من ذوي الميول الانفصالية. وفي المقابل يقر المغرب بضرورة أن يتوقف هو بدوره عن التشهير بالجمهورية الجزائرية، وإظهارها بمظهر الشرير الذي لا يتقن سوى فن المؤامرات، ونسج الدسائس وزرع بذور الفتنة والشقاق في البلدان المغاربية، وإيقاف الحملات الإعلامية المغرضة، كما أنه يجتهد في أن يبذل كل ما يملك من قوة، لتقديم ما من شأنه أن يدخل السعادة إلى قلب الأشقاء الجزائريين، خاصة وأن الأقطار العربية و الدولية تشهد على متانة العلاقة القائمة بين الشعبين الجارين؛ القادرة على الصمود في وجه المنعطفات بالغة الخطورة، رغم أزمنة الجفاء والعداء المفروضين عليهما. ويرتقب من هكذا لقاء تاريخي مفصلي بين زعيمي البلدين، أن تشهد المنطقة إنجاز مشاريع عملاقة في شتى الميادين الحيوية: مد الطرق السيارة والسكك الحديدية، وإقامة المعاهد العلمية والتكنولوجية عالية الجودة، وبناء المدارس والسدود والمستشفيات والملاعب الرياضية الرفيعة، واستغلال الطاقة الشمسية والهوائية، والإنجاز الجماعي للمفاعلات النووية ذات المنحى السلمي.. مما سيخلق الآلاف من مناصب الشغل و يطرد شبح البطالة المخيف، و يجعل بلدينا قبلة للسائحين من كل بقاع العالم، بفضل ما يتميزان به من موقع استراتيجي فريد، ومعالم طبيعية غناء وموارد بشرية وطبيعية نوعية. كل ذلك وغيره من أجل تجسيد الغاية الأسمى لمغرب الشعوب؛ مغرب العمل المشترك ورسم ملحمة الوحدة والتقدم والازدهار. وعلى أمل أن يتحقق هذا الحلم غير المستحيل، نتطلع إلى أن ينهج رجال الفكر والثقافة في كل من المغرب والجزائر وباقي الدول المغاربية الأخرى سبيل النضج والتعقل وزرع بذور السلام و المحبة ، فقد تصلح الثقافة ما تفسده السياسة !
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق