محمد العصفور: رسالة رثاء للمرحوم “أيوب عبد الرزاق” المناضل السياسي والفاعل الجمعوي والحقوقي.
محمد العصفور
هناك رجال ترحل فتبكيهم أسرهم، ورجال ترحل فيبكيهم الأصدقاء، ورجال ترحل فيبكيهم الوطن. وتحت وطأة الأحداث المتسارعة في زمن كورونا، رحل تباعا رجال كبار من حزب الاستقلال، وكأنهم يتسللون خلسة إلى قبورهم، ومثل كثيرين غيري فجعت بنبإ وفاة الأخ ايوب عبد الرزاق، ليلة يوم الأربعاء 19 ماي 2021 الموافق 6 شوال 1442، بعد رحلة طويلة من العطاء، تاركا وراءه سجلا حافلا من صفحات النضال الوطني كسياسي ضمن حزب الاستقلال وهيئاته، وكفاعل جموعي داخل جمعية مدينتي وكمدافع حقوقي على المدينة القديمة بمدينة الدارالبيضاء.
وداعا أيها الأخ والصديق العزيز والمناضل القح المتميز بالوفاء للقيم والمبادئ، كنت الرجل الشهم والمناضل العصامي، القدوة في العطاء والصبر أيام النضال من أجل الوطن والحزب وأيام المحن.
تربية استقلالية
كنت النموذج في المسار النضالي، وكيف لا وأنت الذي ولدت وتربيت في أسرة استقلالية، وأنت الذي شربت المبادئ الاستقلالية على يد مجموعة من الزعماء الكبار الذين عرفهم هذا الوطن والحزب أمثال سيدي بوشتى الجامعي، الهاشمي الفيلالي، بناصر حركات، شجاع الدين، أحمد زكي بوخريص، إدريس الوفا، ولالة أم كلتوم الخطيب رحمة الله عليهم، حيث كنا نواظب بجانبك إلى حلقات المعرفة والذاكرة الحية عن التاريخ والمقاومة كل ليلة خميس بمنزل المرحوم بناصر حركات أو عشية كل يوم الجمعة بمركز مولاي إدريس مع المرحوم الهاشمي الفيلالي مع مجموعة من اليافعين آنذاك من بينهم سعيد بنمنصور، أحمد طالب، محمد دهبي، عماد زهير، فتح الله ماهر، يوسف الرامي، دينيا عبد الرحيم، محمد عياط، محمد الأبيض.
وطول حياتك ظلت وفيا للقسم الذي أديناه في منتصف السبعينات على يد المرحوم ” با الخميسي محمد” بعرصة الزرقطوني نحن مجموعة من الشباب آنذاك أذكر منهم سعيد بنمنصور، دينيا عبد الرحيم، محمد عياط، الشيولي علي.
مسار نضالي متدرج
كانت انطلاقتنا في العمل التلمذي منذ حضورنا المؤتمر الرابع للشبيبة المدرسية في مارس 1979 ” المؤتمر المنعطف ” وفي دجنبر 1979 عقدنا أول مؤتمر تأسيسي على صعيد جماعة ” عين الدئاب ” أنذاك ” مقاطعتي سيدي بليوط وأنفا حاليا “، والذي عرف انتخاب الأخ سعيد بنمنصور كاتبا محليا، وكنت مصرا على أن تحمل على عاتقك الهم التلاميذي وتناضل من أجل إحقاق حقوق التلاميذ ومطالبهم المشروعة تحقيقا للشعار الخالد، الذي آمنا به جميعا من أجل تعليم شعبي وطني، وازداد إيمانك بهده الحقوق عندما انتخبت كاتبا محليا للجمعية.
واستمرت نضالاتك ونضالاتنا داخل الشبيبة المدرسية وكنا نحضر سويا جل المؤتمرات الوطنية بدءا من المؤتمر الرابع الذي عرف انتخاب الأخ نعيم كمال والمؤتمر الخامس الذي عرف انتخاب الأخ تميم بنغموش والمؤتمر السادس الذي عرف انتخاب الأخ العربي الشرقاوي وقد توج مسارك النضالي بانتخابك عضوا بالمكتب الوطني للجمعية في المؤتمر السابع الذي عرف انتخاب الأخ علال مهنين كاتبا وطنيا، وطيلة عقد من الزمن سهرت مع ثلة من إخوانك بالمكاتب المحلية للشبيبة المدرسية على تكوين جيل من التلاميذ حيث كان طموحنا أكبر من أهدافنا حيث وصلنا آنذاك إلى فرض تمثيلية الشبيبة المدرسية في المجالس التـأديبية للمؤسسات التعليمية ونحن نأمل أن تصبح نقابة تلمذية.
وبنفس الحماس تحملنا المسؤولية سويا في الشبيبة الاستقلالية وكنت بالنسبة لي الناصح الأمين والمعين الوفي عندما تحملت الكتابة المحلية للشبيبة الاستقلالية.
المسؤولية الحزبية
وبعد هذه المسيرة الشبابية المليئة بالمواقف النضالية الثابتة، تم انتخابك كاتبا لفرع الحزب للسور الجديد بالمدينة القديمة، وكنت بجانبك كأمين للفرع وكان فرعنا آنذاك فرعا نموذجيا بكل المقاييس، كما حرصت على الدفاع عن المواطن كان حرصك على الدفاع عن الوحدة الترابية للوطن تشغل نفس مسافة نضالك، واستضفنا فيها المرحوم محمد بوستة في محاضرة حول قضيتنا الوطنية الصحراء المغربية، الندوة التي احتضنها المركب التفافي سيدي بليوط والتي عرفت حضورا حاشد للمناضلين، حيث بدد مخاوفك، وتوجت مجهودك الكبير في التعبئة.
وبعد المؤتمر العام الثالث عشر للحزب الذي عقد أيام 20/21/22 فبراير 1998، والذي تم فيه تجديد الثقة في شخصينا كعضوي المجلس الوطني للحزب، وبعد إقرار قوانين الحزب للمدارس المحلية كفضاءات للتكوين والتأطير، كنت أنت السباق لإقامة أول مدرسة محلية للتكوين على الصعيد الوطني في مارس 1999 احتضنها مركز الشبيبة والرياضة بالطماريس على مدى ثلاثة أيام، ترأس جلستها الختامة الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام آنذاك أطال الله في عمره، وكان من بين أعضاء اللجنة التنفيذية التي شاركت في حلقات التكوين كل من الإخوة سعد العلمي، عبد الحق التازي، عبدالحميد عواد، المرحوم عبدالزاق أفيلال، لطيفة بناني سميرس، المفتش العام محمد السوسي، والأخ عبد الله اليعقوبي، وكل هذا كان بإشراف وتنسيق وتوجيه من كنا نناديه ” الأخ الأكبر” الدكتور عبد الواحد الفاسي، وتبعتها المدرسة المحلية الثانية وفاءا لروح الهاشمي الفيلالي.
وبنفس الحماس والتعبئة وحبك للحزب، بلوت البلاء الحسن في إدارة الحملة الانتخابية على مستوى دائرة أنفا سنة 2002 التي سميت بدائرة الموت، في نظامها الجديد الاقتراع باللائحة، وهي المجهودات والدينامية التي ساهمت بشكل كبير في فوز الحزب بمقعد برلماني في شخص الأستاذة ياسمينة بادو، والتي كان لي الشرف أن أكون مرشحا ضمن اللائحة.
وهو الدرس والتميز الذي استفذت منه كثيرا والذي ساهم في احتفاظ الحزب للمرة الثانية بالمقعد النيابي وتتصدر فيه الأخت ياسمينة بادو المرتبة الأولى على مستوى عمالة أنفا من حيث عدد الأصوات.
واستمر عطاؤك، ونظرا لما اكتسبته من ممارسة نضالية واحترام من لدن الجميع اختارتك قيادة الحزب مفتشا على عمالة آنفا لتكمل الرسالة التي بدأها سلفك المرحوم محمد بلعربي رشدي الذي كانت وفاته شبيهة في سرعتها بوفاتك.
الاتحاد العام للمقاولات والمهن
نضالك وعطائك لم يتوقف عند الحزب، بل امتد إلى الاتحاد العام للمقاولات والمهن فكنت سجلا وذاكرة ومفوضا ومعينا وساهرا على الحقوق المشروعة للمقاولين من خلال انتدابك من طرف الرؤساء في جلسات الحوار أو معينا ناصحا لكل الرؤساء الذين اشتغلت بجانبهم ككاتب خاص للاتحاد منذ عهد الرئيس عبد الحق التازي مرورا بالرؤساء أحمد الداحمي رحمه الله وعبد الله اليعقوبي ومصطفى حنين ومنصف الكتاني، إلى أن التحقت كمستشار بديوان الأخت ياسمينة بادو سنة 2002.
ورغم بعدك، فقد ظلت علاقتك مع الاتحاد ورئيسه الحالي مولاي أحمد أفيلال وكاتبه العام محمد ذهبي مستمرة قبل وفاتك بيومين في إطار التحضير لانتخابات المهنية التي كنت تعد لها بكل تفاؤل.
الاتحاد العام للشغالين بالمغرب
رغم أنك لم تكن من الشغيلة ونحن معك، كنت دائما مستعدا للنضال إلى جانب الاتحاد العام للشغالين بالمغرب وخاصة في ذكرى فاتح ماي التي كانت تعني بالنسبة لك عيدا لوحدك، فكنا أول من يعلق المنشور والتعبئة للمشاركة في استعراضات فاتح ماي سواء كشبيبة المدرسية أو الشبيبة الاستقلالية أو فرع الحزب بمعية الإخوة عبد السلام رشاد وكافي الشراط، والمرحوم عبدالرحمان لحريشي، وعن علاقتنا بالمرحوم عبد الرزاق أفيلال أتذكر المؤتمر الذي عقد بمدرسة الرياضيين والذي كان فيه التدافع قويا عن الكتابة العامة بين المرحوم نور الدين الزمراني والأخوين محمد البكاري وحسن الخوراني وهو المؤتمر الذي اصطدمنا فيه مع المرحوم عبد الرزاق أفيلال، حول المرشح للكتابة العامة، وكما يقول المثل فالاختلاف لا يفسد للود قضية، وبل خرجت علاقتنا بالمرحوم عبد الرزاق افيلال أقوى من قبل، وربحت أنت علاقة جديدة مع الحاجة محجوبة الزبيري التي كانت لها أيادي الخير على العديد من مبادرات العطاء التي كنا نقوم لفائدة المناضلات والمناضلين.
وحبك للدفاع عن حقوق الشغيلة جعلتك في تناغم تام مع الكاتب العام الأخ ميارة نعمة وما حضورك بجانبه في اجتماعات الشغيلة بأنفا إلا ترجمة لدفاعك عن الشغيلة وحبك للاتحاد.
الفاعل الجمعوي
وإضافة إلى مهامك السياسية، كنت الفاعل الجمعوي الذي ظلت ملفات النساء في وضعية صعبة والأطفال المتخلى عنهم محور فعلك وتفكيرك، حيث آمنت بدورهما في تنمية البلاد اجتماعيا واقتصاديا باعتبارهما عصب المجتمع ومستقبل الوطن والأمة على حد سواء، وهذا الإيمان ما جعلك ترأس جمعية مدينتي وتحدث مركزا لإيواء النساء في وضعية صعبة وهو المركز الذي حضي بزيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
شهادة الأمين العام الدكتور نزار البركة
وداعا أيها الأخ الذي جمعنا الحزب على حبه حوالي ربع قرن، وداعا أيها المناضل الوفي للمبادئ، مهما كتبت لن أوافييك حقك، غير أن عزائي شهادة الأخ الأمين العام الدكتور نزار البركة وهو يعدد مناقبك ” عرف المرحوم الأخ عبد الرزاق أيوب قيد حياته، بخصاله الحميدة وبدماثة الخلق والسلوك المستقيم، وإخلاصه ووفائه لثوابت الأمة ومقدساتها وبدفاعه المستميت عن قيم ومبادئ حزب الاستقلال بكل تفان ونكران ذات”.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
Share this content:
إرسال التعليق