مع الحدث : ذ لحبيب مسكر
في زمن تتقاطع فيه التربية مع الرياضة، ويُصبح فيه إعداد الإنسان قبل اللاعب هو جوهر النجاح، يبرز اسم محمد وهبي كقصة استثنائية تُجسّد كيف يمكن لرجل تعليم أن يصنع المجد من قلب الميدان الأخضر، لا بالصدفة، بل بفضل رؤية تربوية عميقة وتجربة علمية متينة.
وُلد وهبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، ويحمل الجنسيتين المغربية والبلجيكية. بدأ مسيرته المهنية معلماً في مدرسة شارل بولس (Charles Buls)، حيث تعلّم فن التواصل مع التلاميذ، وضبط النفس، والتحفيز، وهي مهارات سترافقه لاحقاً في مشواره الكروي. فبعد سنوات من العمل داخل القسم، شدّ الرحال نحو عالم التدريب الكروي، مقتنعاً بأن التربية والتعليم لا يقتصران على المدرسة، بل يمتدان إلى كل مجال يمكن أن يصنع الإنسان.
التحق وهبي سنة 2003 بأكاديمية نادي أندرلخت البلجيكي، أحد أعرق المدارس الكروية في أوروبا، حيث بدأ مشرفاً على الفئات السنية الصغرى، قبل أن يتدرج في المهام إلى أن أصبح مدرباً للفريق الاحتياطي ثم مساعداً في الطاقم الفني للفريق الأول. وخلال موسم 2014-2015، قاد فريق أقل من 21 سنة إلى نصف نهائي دوري الشباب الأوروبي، في إنجاز يعكس كفاءته العلمية والعملية.
بفضل تفوقه، حصل وهبي على رخصة التدريب الأوروبية العليا UEFA Pro، وهي أعلى شهادة في عالم التدريب الكروي. وواصل بعدها مسيرته في تجارب مختلفة، من أبرزها تجربته في الدوري السعودي كمساعد مدرب لنادي الفتح، قبل أن يعود إلى أحضان بلده الأم سنة 2022 ليتولى تدريب المنتخب الوطني المغربي لأقل من 20 سنة.
ومنذ ذلك الحين، بدأت قصة نجاح جديدة: تتويج ببطولة شمال إفريقيا 2024، بلوغ نهائي كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة 2025، ثم التأهل التاريخي إلى كأس العالم، حيث سطّر اسمه ضمن المدربين الذين جمعوا بين الفكر التربوي والعقل الكروي الحديث.
إن ما يميز محمد وهبي ليس فقط تكوينه الأكاديمي أو مساره الأوروبي، بل روحه التعليمية التي تُميّزه عن غيره. فهو يعرف كيف يتعامل مع لاعبين في طور النمو، كما يتعامل الأستاذ مع تلاميذه: يُحفزهم، يُصحح أخطاءهم، ويزرع فيهم الثقة قبل المهارة. وقد أثبتت تجربته أن رجل التعليم، حين يُمنح الإمكانيات، يستطيع أن يكون من أنجح القادة والمكوّنين في أي مجال.
بهذا المسار، يؤكد وهبي أن الرياضة ليست نقيض التربية، بل امتداد لها، وأن النجاح في الملاعب يبدأ من القسم، حيث يتعلم الإنسان أولى دروس الانضباط، الصبر، والعمل الجماعي.
إنه نموذج لرجل تعليم حمل رسالة التكوين من المدرسة إلى المنتخب، ورفع راية المغرب عالياً في سماء الكرة العالمية.
مقال رائع، أسلوب رائع وهنيئا لنا بهذا الإنجاز التاريخي