مع الحدث : ذ. لحبيب مسكر
من يتأمل مضامين خطب جلالة الملك محمد السادس، يدرك أنها ليست لحظات عابرة أو طقوساً خطابية، بل رسائل واضحة ومباشرة تحمل تشخيصاً دقيقاً للاختلالات، وتؤسس لرؤية إصلاحية عميقة وشاملة. فالعاهل المغربي، في كل خطاب، لا يكتفي بوصف الواقع، بل يُبرز بوضوح مكامن الخلل، ويدعو إلى تجاوزه بإرادة صادقة، ومقاربة عملية وسرعة في التنفيذ.
الإصلاح، كما يتجلى في التوجيهات الملكية، ليس ترفاً خطابياً ولا تمريناً نظرياً، بل هو فعل شجاع يحتاج إلى وضوح الرؤية، وجرأة القرار، والتزام الممارسة. لقد أصبحت ملامح الخلل معروفة، وقد تناولتها التقارير والدراسات مراراً، لكن ما ينقص هو الانتقال الجدي من التوصيف إلى التفعيل، ومن التحليل إلى الإنجاز.
الإرادة الملكية في الإصلاح واضحة، لكن التحدي يكمن في قدرة الفاعلين العموميين على استيعاب هذه الإرادة وترجمتها إلى مشاريع ملموسة. فالمطلوب ليس إعادة إنتاج الخطاب، بل بناء سياسات عمومية تنطلق منه وتُجسّد مضمونه. ذلك أن الإصلاح لا يتوقف على حجم الموارد المالية، بل يقوم بالأساس على قوة الإرادة، وكفاءة الأطر، ونزاهة التدبير، وجرأة الحسم.
ما يحتاجه المغرب اليوم ليس أوراشاً جديدة فحسب، بل روحاً جديدة في العمل، وإرادة صادقة تضع المواطن في صلب الاهتمام، وتنتقل من منطق الانتظار إلى منطق المبادرة. فالتوجيهات الملكية لا يمكن أن تبقى معلّقة، تنتظر مبادرات خجولة، أو ترتطم بعوائق بيروقراطية، أو تُختزل في لجان ومذكرات.
التأخر في الإصلاح لم يعد مقبولاً، لأن كلفته أصبحت فادحة. كل تأجيل يزيد من حدة الفوارق، ويعمّق فقدان الثقة، ويحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية التي ينادي بها جلالة الملك. لذلك فإن المسؤولية السياسية، اليوم، تستدعي تجنيد كل الطاقات لتسريع وتيرة الإصلاح، وإخراجه من دائرة الخطاب إلى مجال الفعل.
تتبع تنزيل السياسة الملكية الرشيدة لم يعد مجرد مطلب، بل ضرورة وطنية. على الحكومة والبرلمان والمؤسسات العمومية أن تبادر إلى تفعيل ما جاء في الخطب الملكية، بمقاربة دقيقة قائمة على النتائج، وربط صارم للمسؤولية بالمحاسبة، كما نص عليه الدستور. كما أن على الإعلام والنخب ومكونات المجتمع المدني الاضطلاع بدور يقظ في الرقابة والمساءلة والتوجيه.
إن المغرب اليوم لا تنقصه الرؤية، بل تنقصه نخب في مستوى الرؤية. والمطلوب هو الانتقال من التدبير الإداري إلى القيادة الوطنية، ومن التبرير إلى التحمل، ومن التردد إلى الفعل. فالإصلاح، كما يؤكد الملك، ليس مجرد شعار، بل امتحان للجدية والمسؤولية.
إن رهانات المرحلة القادمة تفرض الالتفاف حول رؤية ملكية متبصّرة، والعمل على تنزيلها بعقلانية وجرأة. فنجاح الإصلاح ليس مسألة وقت، بل مسألة إرادة. والمستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع.
تعليقات ( 0 )