واقع النقل الحضري بالدار البيضاء: أزمة حافلات “الزا” بين فوضى التسيير واستفزازات المراقبين

تعيش مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، منذ سنوات على وقع أزمة حقيقية في قطاع النقل الحضري، خصوصًا في ما يتعلق بخدمة الحافلات (المعروفة محليًا بـ”الطوبيسات”). فرغم دخول شركة “ألزا” لتدبير القطاع، بعد سنوات من الفوضى والعشوائية التي عرفتها التجربة السابقة، إلا أن واقع الحال لا يبعث على الارتياح، بل إن الملاحظ هو تنامي مشاهد العنف، التوتر، وسوء المعاملة بين بعض مراقبي الشركة والمواطنين.

“مراقبة أم عنف؟”… فيديوهات تفضح الواقع

منصات التواصل الاجتماعي أصبحت يوميًا تفضح واقع النقل العمومي في البيضاء، حيث تُنشر مقاطع مصورة تُظهر تدخلات عنيفة من طرف بعض المراقبين التابعين لشركة “ألزا”، في مواجهة الركاب الذين لا يتوفرون على تذاكر.

ولعل أكثر ما يثير الاستغراب، ليس فقط تصرفات بعض الركاب غير الملتزمين بالقانون، بل أيضًا الطريقة التي يتعامل بها المراقبون، من تفتيش جسدي، مصادرة أغراض شخصية، وحتى اللجوء إلى الضرب والاعتداء، في غياب واضح لأي تأطير قانوني أو أخلاقي.

غياب التأطير القانوني… أين هي الصفة القانونية؟

المشكلة التي تطرح نفسها بإلحاح هي: ما هي الصفة القانونية لهؤلاء المراقبين؟

هل يملكون صلاحيات الضبط أو التفتيش؟ وهل يحق لهم حجز أغراض المواطنين أو تفتيشهم جسديًا؟

بحسب القانون المغربي، فإن مراقبي النقل لا يملكون صفة “ضباط الشرطة القضائية”، ولا يحق لهم تفتيش المواطنين أو مصادرة ممتلكاتهم، إلا في حالة وجود نص قانوني صريح، أو تدخل من طرف الجهات الأمنية المختصة. أي تجاوز لهذا الإطار يُعد اعتداءً على الحقوق الفردية، ويُدخل هؤلاء المراقبين في خانة “استعمال السلطة بدون سند قانوني”.

سلوك بعض السائقين… أزمة داخل الأزمة

إلى جانب المراقبين، فإن سلوك بعض سائقي الحافلات يمثل تحديًا إضافيًا.

يشتكي المواطنون من حالات التهور في القيادة، التوقف العشوائي، الكلام الفاحش، وفي بعض الأحيان رفض التوقف للمواطنين في المحطات المخصصة. كما أن بعض السائقين يتعاملون مع الركاب باستعلاء أو استفزاز، وكأنهم “يمنّون” عليهم بالخدمة، بدل اعتبارهم جزءًا من مرفق عمومي يجب أن يحترم معايير الجودة وكرامة المواطن.

الأدهى من ذلك، أن بعض الحافلات تُقاد وكأنها في سباق، مما يُشكل خطرًا على الركاب والمارة معًا، دون أي تدخل رادع من الشركة أو من السلطات المختصة، وكأن حياة المواطنين لا تساوي شيئًا في معادلة التسيير اليومي كل هذا يظهران .

غياب الرقابة والمسؤولية الجماعية

الغريب أن هذه التصرفات تتكرر دون تدخل واضح من السلطات المحلية، أو حتى من شركة “ألزا” نفسها لتوضيح موقفها أو مساءلة موظفيها. وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدى احترام الشركة لدفتر التحملات، والتزاماتها تجاه تحسين صورة النقل العمومي، واحترام كرامة المواطنين.

وفي ظل غياب بدائل حقيقية، خصوصًا في الأحياء الشعبية والهامشية، يضطر المواطن البيضاوي إلى استخدام هذه الحافلات، رغم كل ما تعنيه من إهانة، اكتظاظ، وانعدام الكرامة في كثير من الأحيان بسبب هذه السلوكيات الغير مقبولة خصوصا أن المغرب مقبل على تنظيم مجموعة من التظاهرات العالمية .

  • ما يحتاجه النقل العمومي في الدار البيضاء ليس فقط المزيد من الحافلات، بل يفتقد للجزء المهم هو الوعي والتكوين الصارمً للمراقبين والسائقين، كما يلزم التوعية بالنظام القانوني الواضح و شفاف، و كذلك تفعيل آليات لاستقبال شكايات المواطنين والتفاعل الفوري معها. لا يمكن لأي مشروع حضاري أن ينجح إذا كان المواطن يُعامل كـ”مشتبه فيه” داخل وسائل النقل، أو يتعرض للخطر بسبب سائق متهور.

إن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتغيير الشركات فقط، بل بتغيير العقليات، وفرض المحاسبة، وبناء منظومة نقل حترم المواطن أولًا وأخيرًا

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)