وحدة مهنة المحاماة وضرورة حماية المحامين من الاعتداءات داخل المحاكم

براهيم افندي 

محامٍ بهيئة مراكش

تُعتبر مهنة المحاماة من أعمدة العدالة ومن الدعائم الأساسية لدولة الحق والقانون، لما تضطلع به من دور جوهري في الدفاع عن الحقوق والحريات، وفي تحقيق التوازن بين السلطة القضائية والمتقاضين. وقد أولى المشرّع المغربي أهمية بالغة لهذه المهنة، فنصّ على حصانتها واستقلالها ضمن القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، مؤكداً على أن المحامي شريك في تحقيق العدالة، وأن المساس بكرامته يُعد مساساً بقدسية القضاء ذاته.

أولاً: الإطار القانوني لحماية المحامي.

ينص الفصل 58 من قانون المحاماة على أن “للمحامي، أثناء ممارسته لمهامه أو بسببها، الحق في الحماية المقررة قانوناً للموظفين العموميين”.

وهذا يعني أن أي اعتداء أو إهانة يتعرض لها المحامي داخل المحكمة أو بمناسبتها يُعامل بنفس الصرامة القانونية المطبقة على الاعتداءات التي تستهدف القضاة أو رجال السلطة أثناء قيامهم بمهامهم.

كما أن القانون الجنائي المغربي، في فصوله المتعلقة بالإهانة والاعتداء على الأشخاص القائمين بوظيفة عامة (وخاصة الفصول 263 إلى 267)، يُطبّق كذلك على المحامين بحكم صفتهم المهنية ووظيفتهم في خدمة العدالة.

ثانياً: ظاهرة الاعتداءات داخل المحاكم وخطرها على هيبة العدالة

شهدت السنوات الأخيرة بعض الحالات المعزولة من العنف اللفظي أو الجسدي ضد المحامين داخل المحاكم، سواء من قبل متقاضين أو من بعض رجال الأمن أو حتى من بعض الموظفين.

وهذه الظواهر، رغم محدوديتها، تشكّل خطراً كبيراً على هيبة المهنة وعلى صورة العدالة المغربية. فالمحكمة يجب أن تبقى فضاءً آمناً لجميع الفاعلين، بمن فيهم القضاة والمحامون والموظفون والمتقاضون.

إن المساس بأحد عناصر العدالة هو في حقيقته مساس بجهاز العدالة ككل.

ثالثاً: واجب التضامن المهني بين المحامين

تُعدّ وحدة الصف المهني من أهم ضمانات حماية المحاماة.

فكلما كان المحامون متضامنين ومتلاحمين في الدفاع عن كرامة زملائهم، كلما ازدادت قوة المهنة في مواجهة أي محاولات للتقليل من مكانتها أو المسّ باستقلالها.

ويجب أن تتحول هيئات المحامين بالمغرب إلى جبهة موحدة، لا تكتفي بالبيانات التنديدية، بل تعمل على:

• تتبع المساطر القانونية ضد المعتدين.

• تقديم الدعم المعنوي والمهني للمحامين المتضررين.

• التنسيق مع رئاسة النيابة العامة لضمان المتابعة الفورية لكل اعتداء.

• الانفتاح على الإعلام والرأي العام لإبراز أهمية الدور النبيل للمحامي في خدمة الوطن والمجتمع.

رابعاً: نحو ميثاق وطني لحماية المحامين

من الضروري التفكير في ميثاق وطني لحماية المحامين داخل المحاكم، يُعد ثمرة تعاون بين:

• جمعية هيئات المحامين بالمغرب،

• رئاسة النيابة العامة،

• المجلس الأعلى للسلطة القضائية،

• وزارة العدل.

يهدف هذا الميثاق إلى تحديد إجراءات وقائية وأمنية واضحة تضمن سلامة المحامي أثناء مزاولة عمله، وتفرض احترامه داخل جميع مرافق العدالة.

إن الدفاع عن المحامي هو دفاع عن العدالة ذاتها.

والمحامي الذي ينهض بواجبه في الدفاع عن الآخرين يجب أن يجد الدولة والمجتمع إلى جانبه عندما يُمسّ بحصانته أو يُعتدى عليه.

فحماية المحامين ليست امتيازاً، بل ضرورة لحماية مبدأ المحاكمة العادلة، ولصون دولة القانون التي تجعل من العدالة حصناً للمواطنين جميعاً.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)