ويستمر صوت الهامش : إميلشيل بين غواية الدمعة المصطنعة وصرخة الإنسان والمجال
بقلم عدي السباعي
لم يكن مفيدا أن أكتب عن إملشيل وهو يعيش صخب أيامه الثلاث ويحتفي بمهرجانه السنوي المسمى إعلاميا ” موسم الخطوبة ” والمعروف تاريخيا وعند أهله بأكدود نولمغني ،
لم يكن ناجعا وأنا أتابع يوميات إملشيل ميدانيا، أرى وأسمع ، أن أخط كلمات بنكهة جراح ومواجع لن تحقق هذفها في سوق إعلامية أرادت لدموع العروس أن تغطي على حقيقة أكدود الغائبة و المغيبة وفي ظل موجة سيل من القنوات والمواقع التواصلية كرست كل قواها لتنتصر الأسطورة على الواقع ، و ليطغى الموسم على أكدود ، و يغطي سطح الخطوبة المتوهمة عمق التاريخ ، ولتختفي بركة سيدي احماد أولمغني في ليالي مهرجان موسيقى الأعالي، ذلك الوافد الغريب على أكدود / الموسم المزروع ذات خريف سنة 2004 !!!.
فبأي حبر سأحكي صرخة وغبن إمي لشيل والأصح إيمي لكيل أو باب الكيل (كيل الحبوب ومختلف المزروعات ) ، هل برؤية باحث كرس جزءا من عمره منذ 1992 لإنجاز بحث جامعي حول موضوع: دراسة سميوانتروبولوجبة حول أكدود نولمغني، أم بلسان وقلب واحد من أبناء تدغا المجاورة لإملشيل ونواحيها يقاسمهاروح الانتماء ، أم بعين مسؤول سابق في مجلس جهة لم يسعفه لا السياق ولا مكر النخب و الصراعات السياسوية لتنزيل ما أرداه لإملشيل وأخواتها في درعة وتافيلالت وما بينهما وبجوارهما من إنصاف مجالي يخفف وطأ سلسلة من سياسات عمومية لم ولا ترى في إملشيل وأخواتها إلا روعة جبالها وسحر أسطورتها !
فياله من مشهد يتكرر كل سنة ! ألاف الزوار من كل حدب وصوب ومختلف القنوات يشدون الرحال نحو إملشيل القابعة في هامش الهامش بعمق الأطلس الكبير الشرقي وعينهم على سوق سنوي أو سوق العام حاملين في مخيالهم موسما ” لبيع النساء والزواج المباح “! زوار يلبسون ماركات عالمية ويقودون سيارات فاخرة أو في حافلات مكيفة ، قادمون وقادمات لتفريغ مكبوتاتهم المدنية و للرقص على إيقاع موسيقى الأعالي على فقر وتهميش الأهالي!!!!
زوار لا تبكيهم هشاشة الطريق ولا فقر الساكنة ولا هشاشة المجال وانعدام الخدمات الأساسية والاجتماعية ولا تستفزهم وجوه الأهالي الشاحبة المكفهرة والحاملة لحزن عميق ولغيض كبير تخفيه العزة والكرامة الموروثة والأصيلة، وأين لزوار إملشيل فهم صوت هامش الهامش ودمعة إملشيل الحقيقية وهم يبحثون عن حكاية دمعة عاشقين ملأ بحرتين كما علمهم سحرة تاريخ مزيف أصروا على إختزال تاريخ أيت حديدو ومغزى أكدود نولمغني في رواية عشق أسطوري مزيف ، ودفن معاني المقاومة من أجل الكرامة في بحيرة تدعى زورا تسليت وهي في حالتها المدنية التاريخية تسمى تزليت (بتفخيم الزاي) ، وفي جبال إزلان( بتفخيم الزاي ) المحيط بها عبرة لكل ذي نية سليمة ،
للدكرى والتاريخ وبكل بساطة ولكل غاية مفيدة فأكدود نولمغني سوق اقتصادي وتجاري عريق بجمع بين قبائل أيت حديدوا والقبائل المجاورة لتبادل السلع وإعداد مخزون استراتيجي لمرحلة شتاء قارس وعزلة قاتلة ستمتد لشهور والتي يشكل موعد أكدود / الموسم كل سنة عنوانا لبدايتها، وقدرا طبيعيا لتوزيع البرد والصقيع .
ولأن الموسم / أكدود كبير بتاريخه العريق وأبعاده ومعانيه وبأهميته الجيواستراتجية للقبائل في الاطلس الكبير الشرقي ومحيطها فقد لعب كذلك أدوارا سياسية كبيرة لنسج تحالفات قبلية ضمنها ترسيخ اتحادية أيت يفلمان التي تشكل قبائل أيت حديدوا إلى جانب أيت مرغاد وأيت يحي وأيت إزدك أهم مفاصيلها،
اما قصة العشق المستحيل وربطه بصراع قبيلتي أيت إعزى وأيت براهيم أو ما يعرف بأسطورة إيسلي وتسليت فما هي إلا صناعة لتحوير الحقيقة التاريخية لأكدود ورسائله المتنوعة ولإخفاء تجاعيد التهميش الاقتصادي والاجتماعي والمجالي الذي طال ساكنة المناطق المعزولة في حضن الاطلس الكبير الشرقي وما جاورها.
فكم تألمت وأنا أزور سوق العام لعزلة سيدي احماد أولمغني حين وقفت ببابه المغلق وأنا أرى بجواره أهازيج موسيقى الأعالي وغير بعيد عنه شيوخ ونساء وشباب بسحنات ووجوه تقول الكثير في صمتها وهي تقاوم الغلاء وجحيم الأسعار أمام خيم تعرض مختلف السلع ، وبالمقابل أرى أهل المدن بألبستهم العصرية وتسريحات شعرهم الغريبة وهم يتطلعون إلى إكتشاف مختبر البداوة محيطين بهواتفهم المصنفة وعدساتهم المتنوعة بخيمة الزواج الجماعي ، فقدرت ودبرت وتوجهت إلى باب ضريح أولمغني حيث يرقد جثمانه أستجدي بركته لعلها تكشف السر المكنون والمدفون في جوف قبره وكيف لبركته أن تزرع بذور التفاتة حكومية لعل قلبها يرق عشقا لفك العزلة عن إملشيل ونواحيها بنموذج تنموي خاص يجعل فعلا أكدود نولمغني موسما للخطوبة ولعقد القران لكن عقد قران مع الحقوق المجالية المشروعة وخطوبة لا رجعة فيها للتنمية البشرية والمجالية والإجتماعية لساكنة لا دخل لها غير بطاطيسها وأغنامها التي يهش عليها الجفاف وشح السماء واليد المغلولة لحكومة الكفاءات التي لم يكلف أي واحد من أعضائها نفسه زيارة إملشيل ولو من باب دعم الثقافة والمهرجان أو الترويج السياحي لزنجيبار الأطلس الكبير الشرقي عفوا إملشيل !!!
لن أقول وداعا إملشيل ولا إلى اللقاء في موسم جديد لأن قدري أن أزورك كل مرة نادنا صوت الجنوب الشرقي والاكيد أنك في الزيارة المقبلة والقريبة لن تكون كما أنت عليه بعد رحيل زوار الوهم وبعد نطفاء أضواء العدسات والقنوات وانشغال الحكومة في صالوناتها المكيفة بهموم غير همومك في إنتظار النسخة المقبلة لاستعادة الحكاية الأسطورية المشروخة.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق