بقلم : عبدالقادر العفسي
في إحدى حكايات الزمن الغابر – أو ربما في نشرة أخبار هذا المساء – يُحكى أن جزارًا حين يذبح خروفه، يجد دائمًا من يمسح فيه السكين، ليس في يديه، لا !
فهذه ستكون جريمة ! وليس على الأرض، فهذا سيكشف الدم ويثير الشبهات ! بل بكل بساطة، يمسحها في صوف الضحية ذاتها (الهيدورة) وكأنها مذنبة بكونها مذبوحة أو كأن دم الضحية يكفي لتبرئة الجلاد.
هذا المبدأ العجيب، الذي يصلح لمناهج الطغاة عبر التاريخ، يبدو أنه أصبح فنًّا معتمدًا لدى بعض الجهات الإقليمية، حيث تحولت سياسة “مسح السكين” إلى هواية يومية بل عقيدة راسخة ، ووسيلة مثالية لتجنب الاعتراف بالفشل المُعلب بالفساد ، ودرء التهم عن أصحاب القرار والتملص من المسؤولية حين يشتد الخناق يخرجون علينا باجتماعات – بكل رقة وأناقة – للتغطية على تورطهم أو إهمالهم في التفاعل مع القضايا إبان إثارتها وإلقائها على : الزمن، والطقس، و”الجهات المعادية”، وربما حتى على الكائنات الفضائية … ! .
عندما يصرخ النشطاء منبهين إلى كارثة تلوح في الأفق، عندما تكتب الصحف، عندما يتحدث المواطن العادي متذمرًا، فإن الرد الرسمي دائمًا واحد: الصمت! لا تحرك ساكنًا، لا تفتح تحقيقًا، لا تعلق على الأمر… إلى أن تقع الفأس في الرأس و يتم التوزيع بشكل عادل بين البطانة وحينها، يأتي التدخل الرسمي السريع… ولكن ليس لمنع الكارثة، بل لعقد اجتماع عاجل يناقشها بجدية مصطنعة ! .
خذوا مثلًا المنطقة الصناعية طريق طنجة بالعرائش ( المنطقة الخدماتية سابقا حكاية أخرى )، التي كانت محل زيارات لجان مرموقة (يرأسها المسؤول الإقليمي) ، واجتماعات هامة، وبيانات نارية توحي لنا أن الأمور تحت السيطرة بل ظننا، لوهلة ساذجة، أن التدبير الجاد قد بدأ أخيرًا ولكن، يا لخيبة الأمل ! المشروع الذي زارته اللجنة وأمطرتنا بتوجيهاتها و اعتراضات و ملاحظات بشأنه، كان قد حصل على شهادة التسليم المؤقت في 11 نوفمبر 2024، أي قبل الزيارة بأشهر !.
فماذا كانت زيارة اللجنة؟ هل كانت لتقييم الوضع؟ أم كانت مجرد نزهة بروتوكولية لتزكية أمرٍ قد حُسم أصلًا؟ أم أنها كانت نوعًا من أنواع التنويم المغناطيسي لتبليد الرأي العام، حتى يظن أن شيئًا يتغير، بينما الحقيقة أن كل شيء يسير كما هو، وفقًا لسيناريو محكم الإخراج؟
و من عجائب هذه السلطة الإقليمية أنها عندما تقرر إيقاف مشروع ما، فهي تفعل ذلك بشراسة تجعلنا نظن أن القانون مقدس لا يُمسّ، خذوا مثلا قصة إحدى التجزيئات السكنية بالعرائش التي توقفت فجأة عن البناء، بذرائع شتى بل وصل الأمر إلى منع ربطها بالماء والكهرباء و توجيهات صارمة الى المحافظ لمنع التوثيق أو التحفيظ..! هنا ظهرت السلطة بكل صرامتها ففعلت القانون و الدستور (رئاسة المجالس للمؤسسات الشبة عمومية ) ، وكأنها تُنزل عقوبة نازلة من السماء ! لكن، فجأة، وبدون سابق إنذار، تعود الأمور إلى مجاريها، لا بيانات، لا تبريرات، لا قرارات جديدة، فقط، فجأة، كأن شيئًا لم يكن! فهل تم حل الإشكالات القانونية السحرية؟ أو كان المنع مجرد استراحة محارب أم وسيلة لإعادة ترتيب أوراق المصالح؟هل انفتح باب السماء ونزل الفرج؟ أم أن بعض الهواتف قد رنّت، وبعض “الترتيبات” قد أُجريت، فتحولت السلطة الغاضبة إلى سلطة متسامحة في لمح البصر؟ .
وأما الحديث عن الهجمة الشرسة على الغابات من قرصنة منظمة ، فهو فصل آخر من هذا المسلسل الكوميدي السوداوي، تقارير، صور، فضائح، صفحات تنشر، مواطنون يستغيثون… لكن لا أحد يسمع شيئًا، وكأن الأمر يحدث في كوكب آخر ! ، وبعد أن يتم تقطيع الأشجار، وبعد أن تصبح الغابة مجرد ذكرى في صور قديمة، وبعد أن تنتهي “المقاولات السرية” من قضاء مآربها، يُعقد اجتماع رسمي عاجل ! يدعوا لها المسؤول الإقليمي و موظفيه المنتخبين ، وتبدأ الكلمات الرنانة : “يجب التصدي بحزم !”،” لن نسمح بتكرار هذا العبث !”،” المسؤولية كبيرة! ” … والحقيقة أن كل هذه العبارات ليست سوى النسخة السياسية لعبارة ” اللهم إني صائم ” !.
أما عندما يتعلق الأمر بالبسطاء تتحول السلطة إلى تنين يراقب تحركاته ، فالقوانين تسري بسرعة الضوء! تجد السلطة الإقليمية في العرائش تحب التدخل الحاسم في القضايا البسيطة جدًا: مواطن فتح نافذة دون ترخيص؟ أو طاولة إسمنتية وُضعت في مكان غير قانوني؟ إنها كارثة تستدعي تدخل القياد والمقدمين! إنه استنفار غير مسبوق ! لكن حين تكون الفضيحة كبيرة، وحين تكون المسألة خطيرة، فإن السلطات تتحول إلى فيلسوفٍ هادئ، لا يحب العجلة، ويفضل “التأني”، حتى تصبح المشكلة قديمة، ويصبح الحل مجرد تغطية إعلامية لما حدث بمسرحية هزلية !
العرائش ليست بحاجة إلى “اجتماعات للضحك على الذقون”، لنكن واضحين ما يحدث في المدينة ليس مجرد سوء تدبير، بل هو أقرب إلى مسلسل سريالي، حيث المنطق مقلوب، والحقائق تُدار بعقلية لا يفهمها إلا أهل “مسلسل المداح” شخص قادر على فك هذه الطلاسم، الذي يجيد التعامل مع شياطين الفساد، وعفاريت المحاباة و المصالح و المنافع ،الذي تحتاج إلى أكثر من ربطة عنق واجتماع منمّق ! أما الجن، فلهم ربهم يتكفل بهم .
فقط هذه نماذج بسيطة لكي لا تشيب الولدان و تهتز الأبدان ، و بالمناسبة قبل أن نُنهي نهمس في أذن المسؤولين الإقليمين أن يلتقطوا الإشارات الواضحة من حوار الشباب على صفحات و لقاءات ( العرائش إلى أين ) و غيرها الكثير من التدوينات و الغضب … ولا تستهينوا بصوت المواطنين ،لأننا لا نقول إلى أين ؟ بل إنها في انحدار سريع بدون فرامل نتائجه آنية و مستقبلية .
تعليقات ( 0 )