عندما يشغلونك بالخبز … و يبيعون الوطن

“عندما يُشغلونك بالخبز… ويبيعون الوطن”

 

✍️هند بومديان

 

في زحمة الحياة اليومية، وأمام تسارع الأزمات وغياب الأجوبة، يجد المواطن نفسه في مطاردة دائمة خلف لقمة العيش. تُرفع الأسعار دون سابق إنذار، يُثقل كاهل الأسرة بكلفة الخبز، والزيت، والدقيق، واللحم. كل شيء صار نادراً، كل شيء صار باهظاً، وكل شيء أصبح ذريعة للصمت والخضوع.

 

لكن خلف هذا المشهد المكرر، المتعمد، يكمن سؤال جوهري لا يُطرح بما يكفي:

من المستفيد من هذا الانشغال الجماعي بلقمة العيش؟

من يدفعنا لتصغير أحلامنا حدَّ الرغيف، والقبول بالمذلة اليومية مقابل سلّة غذاء نصف فارغة؟

 

سَيُشغلونكَ ببائع الخبز، وبائع اللحم، وبائع الدقيق، وبائع الزيت…

لا لأن هؤلاء هم أصل الداء، بل لأنهم أقنعة مؤقتة على وجه منظومة أكبر،

منظومة لا تسعى فقط لإفقارك مادياً، بل تسعى لتجريدك من أي قدرة على الفهم، على التحليل، على المقاومة.

 

إنهم يراهنون على أن يُنهكك الغلاء، ويشتتك الطابور، ويُربكك الفقد،

حتى لا تنتبه إلى أن الوطن نفسه يُباع على مراحل، بصمت، خلف الكواليس.

ففي الوقت الذي تُحصي فيه أثمنة الطماطم والبصل،

هناك من يُفرّط في خيرات البحر، وفي الأراضي الزراعية، وفي القرارات السيادية.

هناك من يوقّع اتفاقيات لا يقرأها الشعب، ولا يستفيد منها الشعب، ولا يُستشار فيها الشعب.

 

وهنا يكمن الخطر الأكبر:

أن تصبح يومياتنا المعيشية هي المعركة الوحيدة التي نخوضها،

فننسى أن معركة الكرامة لا تبدأ فقط من السوق، بل من السؤال:

من يُدير هذا السوق؟

من جعل المواطن عبداً لجشع لا يُحاسب؟

ومن يُفرّط في سيادة القرار من أجل رضا قوى لا تراعي سوى مصالحها؟

 

نحن اليوم أمام مجتمع يُعاد تشكيله وفق حاجيات السلطة لا حاجيات الناس.

الفقر يُستعمل كأداة سياسية.

الغلاء لم يعد نتيجة عرض وطلب، بل سلاح يُشهر في وجه الوعي.

يُراد للمواطن أن ينشغل بالبقاء، فينسى المطالبة بالحياة.

 

فكم من شاب غادر الوطن هربًا من ضيق الخبز، لا من ضيق الحلم؟

وكم من أم تسهر الليل لا خوفاً من المرض، بل من الغد؟

وكم من صوت خافت، لأن الصراخ في وجه الجوع يُفهم خطأ، ويُحاكم كجريمة؟

 

الوطن لا يُباع دفعة واحدة، بل يُقَضَّى عليه بتدرج.

والمجتمعات لا تنهار فجأة، بل تنهار حين تصير المعيشة ضباباً يحجب الرؤية.

ولذلك، فالسؤال الحقيقي ليس “كم ثمن الزيت؟”

بل “كم تبقّى من الوطن؟”

 

في النهاية، لا بد من التذكير بأن الخبز مهم، لكن الكرامة أهم.

وأننا إذا خُدعنا بالفتات، سُرقت الأوطان كاملة.

فلننتبه…

فقد يبيعون الوطن ونحن نقف في طابور الخبز.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)