مع الحدث
تحرير ✍️: مجيدة الحيمودي
في خطوة تعكس توجها جديدا نحو إعادة توزيع المسؤوليات الإدارية والقانونية في تدبير ملفات التعمير والملك العمومي، عمّمت وزارة الداخلية استشارات قانونية حديثة على عدد من عمالات وأقاليم المملكة، تقضي بإعفاء رجال السلطة، وعلى رأسهم القياد، من أي تبعات قضائية ناتجة عن تنفيذ عمليات الهدم، خاصة تلك التي تستهدف محاربة البناء العشوائي واحتلال الملك العمومي.
الاستشارات التي أعدها قسم النزاعات التابع لمديرية المؤسسات المحلية، أكدت بشكل صريح أن رئيس الجماعة الترابية هو المخول قانونا بحماية وتدبير الملك العام الجماعي، وفقا لما تنص عليه المادة 92 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات. واعتبرت أن تدخل رجال السلطة يقتصر على معاينة المخالفات وتحرير المحاضر اللازمة، والتي تُحال بعد ذلك على الجهات القضائية المختصة، تطبيقا للمادة 64 من القانون 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في التعمير والبناء، والمادة 24 من قانون المسطرة الجنائية.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تسجيل تصاعد ملحوظ في عدد الشكايات والدعاوى القضائية ضد رجال السلطة، خلال الأشهر الأخيرة، على خلفية تنفيذهم لقرارات إخلاء أو هدم بدون أوامر قضائية صريحة، ما دفع بعدد من القياد إلى التريث أو تجميد التدخلات، الأمر الذي فسح المجال أمام تنامي البناء غير المرخص، وتمدد احتلال الملك الجماعي بشكل غير قانوني.
وبحسب المعطيات المتوفرة أوصت وزارة الداخلية رؤساء الجماعات باللجوء إلى القضاء واستصدار أوامر بالإفراغ والهدم عن طريق قاضي المستعجلات، والاعتماد على المقتضيات القانونية الزجرية، كالمادة 28 من قانون الأملاك العقارية، والمادة 570 من القانون الجنائي، لمواجهة الترامي على الأملاك العمومية.
كما دعت الاستشارات الجديدة إلى تفعيل الغرامات التهديدية في حال استمرار الاحتلال، مع توثيق حالات العود بمحاضر رسمية، ما من شأنه تعزيز مسطرة الزجر والردع في مواجهة المخالفين، وتحقيق نوع من التوازن في المسؤوليات بين السلطتين الإدارية والمنتخبة.
الجدير بالذكر أن الأشهر الماضية شهدت اضطرابا واضحا في التعامل مع مخالفات التعمير، بسبب تردد السلطات المحلية في مباشرة الهدم دون غطاء قانوني صريح، في ظل فراغ قانوني وتأويلات متباينة، ما أسفر عن تنامي تجاوزات عمرانية وتلاعبات في تصاميم البناء، بعضها استُغلّت فيه الثغرات القانونية التي تمنح آجالا تعديلية تصل إلى 18 شهرا، في حين يحدد الفصل 69 من القانون 12.90 المهلة القانونية للهدم في 30 يوما فقط.
ويبدو أن وزارة الداخلية تسعى من خلال هذه التوضيحات القانونية إلى إعادة ضبط بوصلة التدخل في قضايا التعمير، وتحقيق الانسجام بين مقتضيات القانون وممارسات الميدان، بما يضمن احترام سيادة القضاء وحماية ممتلكات الدولة والجماعات على حد سواء، دون الإضرار برجال السلطة الذين كانوا في السابق يتحملون أعباء تنفيذية ذات طابع قانوني خارج اختصاصهم.
تعليقات ( 0 )