متابعة سيداتي بيدا
في زوايا منسية من هذا الوطن، تُذبح البراءة في صمت، وتُغتصب الأجساد الصغيرة بلا رحمة، وتُدفن الطفولة حية خلف جدران الخوف والعار… نحن اليوم أمام وباءٍ أخلاقي اسمه “البيدوفيليا”، يتمدد بخبث بين الأسر، ويتستر خلف أقنعة الأبوة والقربى والجيرة، فيما يستمر الصمت، وتستمر معه المعاناة.
ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، لا سيما القاصرين، آخذة في الانتشار المريع، والأخطر أنها باتت تشمل زنا المحارم، لتتحول الأسرة – التي يفترض أن تكون حضن الأمان – إلى بيئة خطر مميت. أمام هذا الواقع، لم يعد الحديث ترفًا، بل واجبًا أخلاقيًا وقانونيًا وإنسانيًا.
البيدوفيليا ليست فقط شذوذاً جنسياً، بل فيروس نفسي واجتماعي خطير، يتحول مع الوقت إلى سلسلة من الجرائم المتكررة. ولعلّ الكارثة تتفاقم حين يصمت الضحايا، أو تهاجر أسرهم هرباً من الفضيحة، تاركين الذئب البشري طليقًا، يواصل افتراسه في مناطق جديدة. في المقابل، حين تتجرأ أسرة وتلجأ إلى القضاء، تجد نفسها أمام أحكام صادمة: سنة، سنتان، عشر سنوات في أقصى الحالات، ثم يعود المجرم حرًا، يُكمل ما بدأه وكأن شيئًا لم يكن.
فكيف لمجتمع أن يتعافى، وطفلٌ يرى مغتصبه حراً أمامه؟ كيف يُشفى قلب أم حين ترى قاتل روح طفلها يبتسم بعد خروجه من السجن؟ وماذا نقول لشاب اختار الانتحار في فرنسا لأنه لم يحتمل رؤية مغتصبه، الجار الذي دمّره صغيرًا، يعيش أمامه دون عقاب رادع؟
العدالة في هذه القضايا يجب أن تكون استثنائية. لا يكفي أن نحاكم؛ يجب أن نردع. لا يكفي أن ندين؛ يجب أن نحمي. وهنا تبرز ضرورة اعتماد الخبرة الجينية (ADN) لتفادي الدعاوى الكيدية، ولكن حين تثبت الجريمة، لا بد من أحكام صارمة تصل إلى الإعدام، لأن من يغتصب الطفولة، يقتل أمةً كاملة في مهدها.
وإلى جانب التشريع، لا بد من وقاية وتوعية. مدارسنا بحاجة إلى برامج تعليمية تحمي الأطفال وتوعيهم، وأسرُنا بحاجة إلى تكوين لمعرفة المؤشرات الصامتة للانتهاك. كما أن الدعم النفسي المجاني للضحايا وأسرهم يجب أن يُعدّ أولوية وطنية، شأنه شأن أي قضية أمن قومي.
نقترح إنشاء فضاءات للمساعدة الاجتماعية السرية في المدارس، المساجد، والمرافق العمومية، لتكون ملاذًا آمناً للضحايا، بعيدًا عن أعين المتحرشين وعن قسوة الأحكام الاجتماعية.
أيها القضاة، أيها المسؤولون، أيها المشرعون: إن الطفولة أمانة، وإن التهاون في حمايتها خيانة. إن لم تُرعَ اليوم، فغدًا سيكون الضحية جلادًا جديدًا… ولن يُوقف هذا النزيف سوى عدالة صارمة، وتربية مسؤولة، ومجتمع يرفض الصمت.
تعليقات ( 0 )