أمير المؤمنين يترأس الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية
● الدار البيضاء – مع الحدث :
ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، اليوم الخميس بالقصر الملكي العامر بمدينة الدار البيضاء، الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.
وألقى درس اليوم، بين يدي أمير المؤمنين، الأستاذ محمد مشان، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدار البيضاء، متناولا بالدرس والتحليل موضوع: “فضل الاعتصام بحبل الله المتين وبسنة سيد المرسلين”، انطلاقا من الحديث الشريف رواية عن الإمام مالك رحمه الله أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه”.
وفي مستهل هذا الدرس، أكد المحاضر أن هذا الحديث النبوي الشريف يعد من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وفيه من الفوائد الحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ودعوة للزوم نهجهما واتباع سبيلهما، مضيفا أن الحديث واضح الدلالة وبين المعنى في أن العصمة والنجاة تحصل لمن تمسك بالكتاب والسنة وعض عليهما بالنواجذ؛ لأنهما محفوظان وحجتهما باقية إلى يوم القيامة.
وأوضح المحاضر، في هذا الصدد، أن القرآن الكريم والسنة النبوية “هما حبل الله المتين، وهما سبيل النجاة”، مشيرا إلى أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن الكريم فقال جل في علاه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، حيث حفظه تعالى من أن يزاد فيه باطل أو أن ينقص منه، وصانه من أن تمتد إليه يد التحريف والبديل والتزوير وتعهد الله لنبيه بحفظه وصيانته فلا تمسه أيدي المحرفين والمغرضين.
وأما السنة النبوية، يضيف الأستاذ مشان، فهي أصل من أصول الدين الإسلامي الحنيف وهي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وهي شديدة الارتباط بكتاب الله فهي شارحة لقواعده العامة ومبينة لمعانيه، ومفصلة لمجمله، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، مبرزا أنه لا يتصور فهم لكتاب الله من دون رجوع لسنة سيدنا رسول الله، ولا يمكن الاستغناء عنها في معرفة أحكام الشرع الحنيف.
وتوقف الأستاذ المحاضر، في هذا الصدد، عند تدوين السنة النبوية، حيث أشار إلى أن رسول الله نهى في بداية الأمر عن كتابة الأحاديث خشية اختلاطها بالقرآن الكريم، لكنه أذن لبعض الصحابة أن يكتبوا بعض الأحاديث، بل وردت عنه روايات تنسخ أحاديث النهي.
وأشار إلى أنه بعد عهد رسول الله اتسعت رقعة البلاد الإسلامية وفشا الوضع في الحديث، أي اختلاق أحاديث لا أصل لها وكثر موت العلماء، بادر الخليفة عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الثانية للهجرة فأمر بجمع وتتبع حديث رسول الله، وتدوينه خشية ضياعه، وهكذا نشطت حركة تدوين الحديث.
واستعرض المحاضر في درسه أصناف المتعاملين مع السنة، مشيرا إلى أن طائفة منهم أنكرت السنة جملة وتفصيلا، وأخرى ردت أخبار الآحاد، أي التي لم يروها أكثر من واحد ولم تأخذ بها، وثالثة استعملت عقلها وقدمته على الأحاديث. وأبرز ان المنهج الوسط في التعامل مع السنة يقوم على الوسطية والاعتدال والابتعاد عن جحود نصوص السنة ومخالفتها وردها بأهواء النفوس، “وهو المنهج الذي يعتمده علماء مملكتكم الشريفة يا مولاي في التعامل مع السنة بأخذ الصحيح الأصيل الأثيل، واطراح المنكر والدخيل، وكل ما يخالف قطعيات هذا الدين أو يخالف إجماع المسلمين”.
وفي هذا السياق، استعرض المحاضر جهود أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس في خدمة حديث جده سيد المرسلين، منوها بما تم تحقيقه وإنجازه في عهد جلالته الميمون من ارتقاء بالخطاب الديني خدمة لدين الله ولسنة جده المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وأشار في هذا الصدد إلى أن المتتبع لخطب جلالة الملك يجدها مرصعة بالأحاديث النبوية الشريفة، مبرزا أن في ذلكم دلالة قوية على حضور السنة النبوية في رؤية جلالته العميقة في البناء والعمران اقتداء بالسيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
كما أشار الأستاذ مشان إلى الدروس الحسنية المنيفة التي تشرف برئاسة أمير المؤمنين وحضور جلالته الفعلي فيها، وهو ما يشكل مدارسة للحديث النبوي الشريف وإحياء لسنة رسول الله وذب عنها.
وأضاف أن التجلي الثالث لجهود أمير المؤمنين في خدمة الحديث النبوي الشريف يتمثل في الأمر السامي لجلالته بتحقيق موطأ الإمام مالك الذي يجمع بين كونه من كتب الحديث وصحة ما جاء فيه من الأحاديث وجلالة قدر مؤلفه وهو الإمام مالك، مبرزا أن الدارسين يجمعون اليوم أن الطبعة التي أشرفت عليها لجنة علمية من المجلس العلمي الأعلى هي أتقن وأدق نسخة وأحسن طبعة لهذا السفر العظيم.
وأشار إلى أنه تمت ترجمة هذا المؤلف بالمغرب بجامعة الأخوين بإشراف من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى الإنجليزية، مبرزا أنها هي النسخة التي اعتمدها برنامج الدراسات الشرعية في جامعة هارفارد الأمريكية اعترافا بجودتها وأهميتها في الاطلاع على أول كتاب حديثي وصل إلينا.
ومن جهود أمير المؤمنين أيضا في خدمة الحديث الشريف، يضيف المحاضر، هناك الدروس الحديثية بشقها البياني والتفاعلي التي أمر جلالة الملك بإقامتها وتفضل بإعطاء الانطلاقة لها، والتي تبثها قناة السادسة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم.
وأبرز أن هذه الدروس المباركة أسهمت في إغناء المشهد الديني الإعلامي بتقريب علماء الأمة ولا سيما أهل الحديث من الناس بالتفاعل معهم في تمييز ما صح من الحديث وما لم يصح منه وما عليه العمل وما ليس عليه العمل ترشيدا لفهم نصوص السنة النبوية.
ولفت الأستاذ مشان أيضا إلى أن جائزة محمد السادس لأهل الحديث تشكل خدمة أخرى للحديث وأهله وتكريما لحملته، مشيرا إلى أنها تخصص لأهم الشخصيات العلمية التي كان لها في المملكة تميز كبير في خدمة الحديث رواية ودراية بالذود عنه وإيضاح مسائله وقضاياه بما يجلي بهاء هذا الدين وجماليته، ويشرف الفائزون بهذه الجوائز الكريمة بتسلمها من يدي جلالة الملك الشريفتين.
كما أشار المحاضر إلى منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف التي أعطى جلالة الملك أمره السامي بإنشائها خدمة للحديث النبوي الشريف المصطفى، مبرزا أن هذه المنصة تشكل مكرمة أخرى من مكرمات أمير المؤمنين وتتوج كل الأوجه السابقة من العناية المنفردة والرعاية المتجددة.
وذكر المحاضر أن هذه المنصة الإلكترونية تعنى بحديث رسول الله وتخدم السنة بصيغة عصرية جديدة، مشيرا إلى أن المجلس العلمي الأعلى انتدب، تنفيذا لأمر جلالة الملك، نخبة من الأساتذة المتخصصين في علم الحديث للإشراف على هذه المنصة، يؤازرهم ويشاركهم ثلة من الأئمة المرشدين والمرشدات من خريجي معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين.
وأبرز أن الغاية من هذه المنصة استثمار وسائل العصر المتنوعة في تقريب الحديث النبوي لعموم الناس لتمييز الغث من السمين والصحيح من السقيم من الروايات وتوسيع دائرة نشره في مختلف بقاع المعمور، وفق رؤية معرفية ومنهجية مستمدة من طبيعة الدرس الحديثي بالمدرسة الحديثية المغربية.
وأضاف أن هذه المنصة تقدم خدمات جليلة أخرى تتيحها للمتصفح منها الوقوف على جهود المغاربة في خدمة الحديث، وما ألفوا وما دونوا في مجال الدرس الحديثي، كما تمكن من الاطلاع على الدروس الحديثية المتلفزة والبرامج الإعلامية والمحاضرات العلمية والندوات واللقاءات ذات الصلة بحديث رسول الله أو السيرة النبوية، وغيرها كثير.
وخلص الأستاذ مشان إلى أن علماء المملكة مدركون أنهم ينخرطون في نموذج مبتكر تفتقت عنه عبقرية أمير المؤمنين، ومعتزون بما يوليه جلالته لقضايا الدين من صنوف الرعاية والعناية، وفخورون بما تم تحقيقه وإنجازه في عهده الميمون الزاهر وما يقوم به جلالته من مبادرات للرقي بالبعد الروحي بكل مستوياته، ثقافيا ودينيا، وذلك من خلال الإصلاحات العميقة التي تشمل مختلف الهيآت والمؤسسات ذات الصلة بالشأن الديني.
وفي ختام هذا الدرس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأساتذة الشيخ محمد أحمد محمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، وحسن بن محمد سفر، الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية، ومختار المفتي الحسني، أستاذ الحديث الشريف بجامعة آل البيت بالأردن، والحاج أولي نادو، رئيس المجلس الأعلى لمسلمي كينيا، وبنيامين إرول، العضو بالمجلس الأعلى للشؤون الدينية التركية.
كما تقدم للسلام على جلالة الملك الأساتذة ذكر الرحمان، الأستاذ الجامعي ومدير المركز الثقافي الإسلامي الهندي في نيودلهي، وسعيد هبة الله كامليف، مدير معهد الحضارة الإسلامية بموسكو، وعبد العزيز بن محمد بن صالح العوضي، المستشار بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بعمان، وعبد الله بن ادريس ميغا، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالنيجر، وسيدي محمد ميغا، عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ببوركينا فاسو .
Share this content:
إرسال التعليق