نوال دارغم …. أنامل تبدع من صمت اللون و وهج الحياة …
✍️ هند بومديان
نوال دارغم، فنانة تشكيلية وأستاذة بالتعليم العمومي، تقيم بمدينة الدار البيضاء، تحمل في ريشَتها نبضَ الحياة وانعكاسات التجربة. لم يكن الفن بالنسبة لها مجرد هواية أو تمرين بصري، بل مسارًا وجدانيًا بدأ منذ الطفولة حين كانت تراقب والدها الراحل وهو يرسم. كان المشهد سحريًا، كطقسٍ من طقوس العشق الأولى، فتعلّمت منه كيف تصير الفرشاة امتدادًا للروح.
توقفت رحلتها مؤقتًا بسبب الدراسة ومسؤوليات الأمومة، لكنها لم تنطفئ؛ فعادت إلى التشكيل بوعي ناضج وشغف أشد. انطلقت من موهبة فطرية، ثم دعّمتها بتكوينات من تنظيم فنانين تشكيليين، مما ساعدها على صقل أدواتها وخوض مسارات تقنية جديدة. تأثرت بالعديد من المدارس التشكيلية، غير أن المدرسة السريالية الواقعية سكنتها، بما تحمله من رمزية وعمق داخلي.
أول أعمالها كانت لحظة تأمل أمام شاطئ تغلفه ألوان الغروب، حملت فيها أولى نبضاتها الداخلية، وشاركت بها في معرض سنة 2018 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، لتكون انطلاقتها الرسمية نحو عالم المعارض.
مع الوقت، تطوّر أسلوبها وتفرّد، وصارت كل لوحة تحمل هويتها الخاصة. أعمالها تتناول موضوعات متعددة كالأمومة، الطفولة، الحرية، والتأمل الوجودي، وتُصاغ ضمن رؤية مفتوحة على التجريب، حيث لا منهج تقني ثابت، بل بحث دائم عن الجديد في الخامات والرؤى.
ترى نوال أن الفن لا يجب أن يُقيد، وأنه رسالة وليس فقط تشكيلًا بصريًا. في كل لوحة رموز ورسائل، تبدأ من فكرة ثم تُصاغ بأمانة من خلال اللون والمادة. لحظة الإبداع عندها هي لحظة تأمل داخلي عميق، تسبقها طقوس ذهنية وتحضيرات متأنية، لأن الفن، في رؤيتها، ليس إنتاجًا بل ولادة.
شاركت في عدة معارض محلية ودولية، من بينها فرنسا ومصر، حيث اختبرت تفاعلات ثقافية مختلفة، واكتشفت كيف يُستقبل الفن من جمهور يتنوع في ثقافته ومرجعياته. رغم عدم تلقيها دعمًا مباشرًا من المؤسسات، إلا أن إصرارها وشغفها كانا وقود الطريق.
تعتبر نوال أن كل مدينة مغربية تدخلها تُضيف إلى ذاكرتها البصرية، فالسفر بالنسبة لها شكل من أشكال الإبداع، والمغرب بثقافته ومعماره وألوانه يظل نبعًا دائمًا للإلهام. أما عن التحديات، فهي لا تراها عوائق، بل دروسًا وصقلًا ذاتيًا، فالفن عندها ترياق للتوازن الداخلي.
تحلم نوال بإقامة معرض يمزج بين الفن التشكيلي والموسيقى والشعر، ليكون تجربة حسّية متكاملة تُعبّر عن الإنسان في أبعاده المختلفة. لا تنكر انبهارها بالفن الرقمي، لكنها ما تزال تفضل اللمسة المادية، وتؤمن أن الفن حوار جسدي مع اللون والملمس.
نوال دارغم تنتمي لجيل من الفنانين الذين يرون أن اللوحة ليست منتجًا، بل حالة وجودية، وأن الإبداع ليس ترفًا، بل ضرورة. تحلم بعرض أعمالها في باريس، حيث تُحاور الأرواح الجمال بلغة لا تحتاج إلى ترجمة. وبين الفرشاة والقلب، تبقى لوحاتها صفحات من ذاتها، تُنصت فيها الحياة لصوت الألوان.
تعليقات ( 0 )