مع الحدث/ الرباط
مع انطلاق عملية سحب طلبات المشاركة في البرنامج الوطني للتخييم 2025 والتي تمتد من 31 يناير إلى 28 فبراير تفاجأت العديد من الجمعيات، وخاصة الفروع التابعة لها بشرط جديد من بين شروط الاستفادة يقضي بأن تكون الجمعية قد تأسست منذ خمس سنوات على الأقل وأن هذا المعيار ينطبق أيضًا على الفروع، وهو ما اعتبرته العديد من الفعاليات الجمعوية إجراءً إقصائيًا غير منصف خاصة وأن بعض الفروع سبق لها أن استفادت في السنوات الماضية دون أي إشكال قانوني أو إداري.
و يُعد البرنامج الوطني للتخييم من أبرز المبادرات التربوية الهادفة إلى تمكين الأطفال والشباب من فضاء تعليمي وترفيهي خلال فترة العطلة الصيفية حيث تعتمد الجمعيات الوطنية والجهوية والمحلية على هذه المخيمات لتحقيق أهدافها التربوية والثقافية.
وعبر السنين أسهمت هذه المخيمات في تأطير وتكوين الأجيال فضلًا عن منح الجمعيات فرصة لترسيخ حضورها الميداني وتعزيز دورها في التنشئة الاجتماعية إلا أن القرار الأخير أثار موجة من الجدل حيث رأت العديد من الجمعيات أن تطبيق هذا الشرط بأثر رجعي خاصة على الفروع سيؤدي إلى حرمان العديد من الأطفال من الاستفادة من المخيمات دون مبرر مقنع.
يرى المعترضون أن الفروع رغم كونها امتدادًا إداريًا وتنظيميًا للجمعيات الأم تتمتع غالبًا باستقلالية مالية وإدارية تجعلها قادرة على تدبير وتأطير برامج التخييم بشكل فعال.
كما أن بعض الفروع حديثة التأسيس لكنها تنشط بفعالية وتملك تجربة ميدانية في تسيير المخيمات، مما يجعل اشتراط مرور خمس سنوات على تأسيسها معيارًا غير عادل خاصة أن هذا الشرط لم يكن معمولًا به في السنوات الماضية.
في المقابل يرى البعض أن هذا الإجراء ربما يهدف إلى الحد من التلاعب في الاستفادة من البرنامج خصوصًا مع انتشار ظاهرة إنشاء فروع جديدة بهدف مضاعفة فرص الاستفادة من الدعم المخصص للتخييم لكن هذا التبرير لم يقنع الفاعلين الجمعويين الذين يعتبرون أن وجود آليات مراقبة وتقييم أكثر صرامة كفيل بضمان الشفافية دون الحاجة إلى إقصاء فئات واسعة بشكل تعسفي.
السؤال المطروح الآن هل سيتمسك المشرفون على البرنامج بهذا القرار أم أن الضغط الذي تمارسه الجمعيات سيؤدي إلى مراجعته؟
من المؤكد أن تطبيقه سيخلق حالة من الإحباط داخل الأوساط الجمعوية، وقد يؤدي إلى تراجع الإقبال على المخيمات أو حتى تعطيل عدد من البرامج التي تعتمد على الفروع لتوسيع قاعدة المستفيدين.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه المسؤولين عن البرنامج الوطني للتخييم هو تحقيق التوازن بين ضمان الاستفادة العادلة للجميع ومنع أي استغلال غير مشروع، دون أن يكون ذلك على حساب حق الأطفال في الاستمتاع بعطلة صيفية مفيدة.
لذا، فإن أي تعديل أو شرط جديد يجب أن يكون ثمرة نقاش جاد بين الوزارة الوصية والجمعيات المعنية تفاديًا لأي قرارات قد تكون ذات أثر سلبي على الفئات المستهدفة بالدرجة الأولى و مع تصاعد الجدل حول هذا الشرط الجديد تعالت أصوات العديد من الجمعيات مطالبةً بإعادة النظر في المعايير التي يتم اعتمادها في انتقاء الجمعيات المستفيدة معتبرةً أن القرار يحمل في طياته إقصاءً غير مبرر للعديد من الفروع التي أثبتت كفاءتها في تأطير المخيمات في السنوات الماضية.
ورغم محاولة الجهات المعنية تبرير القرار بضرورات تنظيمية وإدارية، فإن الفاعلين الجمعويين يرون أنه يتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص ومع فلسفة التخييم التي تقوم على تعميم الاستفادة.
في هذا السياق بدأت بعض الجمعيات تحركاتها عبر مراسلات رسمية إلى الوزارة الوصية والجهات المشرفة على البرنامج، مطالبةً بإلغاء هذا الشرط أو على الأقل استثناء الفروع التي سبق لها الاستفادة من البرنامج.
كما أن النقاش انتقل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبر العديد من المهتمين بالشأن الجمعوي عن استيائهم من القرار، محذرين من أن تطبيقه قد يؤدي إلى تراجع مستوى التأطير داخل المخيمات نتيجة استبعاد فروع كانت تساهم بفعالية في إنجاح البرامج التخييمية.
كما أن هذا القرار يطرح إشكالية أعمق تتعلق بكيفية تعامل الجهات الوصية مع ملف التخييم بشكل عام فبدلًا من فرض شروط قد تؤدي إلى إقصاء فئات واسعة كان الأجدر العمل على تعزيز تكوين الجمعيات والفروع وتمكينها من الأدوات اللازمة لتأطير المخيمات بجودة عالية. فالجمعيات بحكم طبيعة عملها التطوعي تحتاج إلى دعم وتحفيز وليس إلى إجراءات تزيد من تعقيد مسارها وتحد من قدرتها على الاستمرار في أداء دورها المجتمعي.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستستجيب الجهات المسؤولة لمطالب الجمعيات وتعمد إلى مراجعة هذا الشرط أم أن القرار سيمضي دون تغيير رغم كل الاعتراضات؟ وكيف ستتعامل الجمعيات المتضررة مع الوضع إذا لم يتم التراجع عن القرار؟
من الواضح أن هذه القضية لن تتوقف عند هذا الحد، بل قد تأخذ أبعادًا أوسع في الأيام القادمة خاصة إذا استمرت حالة الغضب في الأوساط الجمعوية. فالمخيمات الصيفية ليست مجرد نشاط ترفيهي بل هي فضاء تربوي يساهم في تنمية قدرات الأطفال والشباب وأي قرار قد يؤثر سلبًا على سيرها يستوجب إعادة النظر والتشاور مع الفاعلين المباشرين في الميدان تفاديًا لأي تداعيات قد تضر بمصلحة المستفيدين الحقيقيين: الأطفال والشباب.
Share this content:
Post Comment