مع الحدث // لحبيب مسكر
بين الغنى الفاحش والفقر المدقع تتجلى الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب. فالفقر ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة لاختلالات بنيوية وهيكلية، جعلت شرائح واسعة من المواطنين تعيش في ظروف صعبة، بينما يراكم آخرون الثروات. وما بين هذا وذاك، يظل الفقر والهشاشة أكبر تهديد للتماسك الاجتماعي وأكبر اختبار لجدية السياسات العمومية.
لقد أبانت جائحة كوفيد-19 عن حجم الهشاشة التي يعاني منها ملايين المغاربة، حيث أظهرت الإحصائيات أن أكثر من 64% من الأسر تعتمد على أنشطة غير مهيكلة، ما جعلها عرضة لأي صدمة اقتصادية أو صحية. غير أن المحنة أبرزت أيضاً قدرة الدولة والمجتمع والقطاع الخاص على التضامن، في انسجام مع التوجيهات الملكية السامية التي شددت مراراً على ضرورة ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية، وجعل المواطن في قلب القرار العمومي.
لكن اليوم، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يعود السؤال بقوة: هل ستتمكن الأحزاب السياسية من تحويل هذا الورش الوطني إلى محور فعلي في برامجها الانتخابية، بعيداً عن الوعود الفضفاضة والشعارات التقليدية؟
المواطن لم يعد يرضى بالخطب الرنانة، بل ينتظر إجراءات ملموسة تعالج أولوياته اليومية، وأبرزها:
إصلاح المدرسة المغربية وتجويد التعليم والتكوين.
إدماج الشباب في سوق الشغل وخلق فرص عمل كريمة.
تعزيز الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة.
تمكين الأسر الفقيرة من السكن اللائق.
ضمان الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية: الصحة، النقل، الماء، والعيش في بيئة سليمة.
هذه ليست مجرد اختيارات سياسية، بل التزامات نص عليها الفصل 31 من دستور 2011، الذي يلزم الدولة والجماعات الترابية بتعبئة كل الوسائل الممكنة لضمان الحقوق الأساسية للمواطنين.
خطاب العرش الأخير… “لا مكان لمغرب يسير بسرعتين”
في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، وجّه الملك محمد السادس رسالة واضحة: “لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتين”. وهي عبارة تحمل دلالات عميقة حول ضرورة مواجهة التفاوتات المجالية والاجتماعية التي لا تزال قائمة رغم جهود التنمية.
الخطاب شدّد على أن بعض المناطق، خصوصاً في العالم القروي، ما زالت محرومة من خدمات أساسية وبنيات تحتية، وهو ما يكرّس واقع الفقر والهشاشة ويُضعف ثقة المواطنين. كما دعا إلى الانتقال من مقاربات تقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة مجالية مندمجة، تقوم على العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الجهات.
امتحان سياسي للأحزاب
في ضوء هذه التوجيهات، تجد الأحزاب نفسها أمام امتحان حقيقي: فإما أن تُبلور برامج انتخابية واقعية قابلة للتنفيذ تُترجم فعلاً الرؤية الملكية لبناء دولة اجتماعية، أو تسقط مجدداً في فخ الخطاب الانتخابي التقليدي القائم على الوعود غير القابلة للتحقق.
إن الفقر والهشاشة ليسا مجرد أرقام في تقارير، بل واقع يومي يعيشه ملايين المغاربة، ويؤثر في ثقتهم بالسياسة وبالمؤسسات. ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يبقى السؤال موجهاً مباشرة للأحزاب:
هل ستلتزمون بتنفيذ التوجيهات الملكية السامية، وتجعلون من محاربة الفقر والهشاشة محوراً رئيسياً في برامجكم، وتتحملون مسؤوليتكم كاملة في النهوض بالمغرب والسير به قدماً نحو العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؟
تعليقات ( 0 )