عقدان من التلكؤ في تفعيل الطابع الرسمي داخل المنظومة التربوية
في مداخلة أكاديمية وازنة قدّمها الباحث مصطفى أوموش خلال الندوة العلمية المنظمة في إطار مهرجان “أجذير إيزوران” تحت عنوان «الأمازيغية: الذاكرة، الراهن اللغوي والثقافي، ومسالك الابتكار والتملك المجتمعي»، توقف المتدخل عند حصيلة إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية بعد عقدين من الانطلاق، مسلطًا الضوء على الهوة الشاسعة بين النص الدستوري والواقع التنفيذي.

من خطاب أجدير إلى واقع الغياب
استعاد الباحث البدايات الأولى لهذا الورش الوطني الكبير منذ الخطاب الملكي التاريخي بأجدير سنة 2001، الذي أرّخ لبداية المصالحة مع المكوّن الأمازيغي باعتباره عنصرًا تأسيسيًا للهوية المغربية الموحدة. غير أن المسار الذي انطلق بإدماج الأمازيغية في 317 مؤسسة سنة 2003 لم يترجم ميدانيًا بما يليق بمكانتها كلغة رسمية، رغم ما تحقق من جهود رمزية ومؤسساتية.

فقد كشف أوموش أن عدد المؤسسات التعليمية التي تُدرّس الأمازيغية اليوم لا يتجاوز 1803 مؤسسة (31%) من مجموع مؤسسات التعليم الابتدائي، في حين يبلغ عدد الأساتذة المتخصصين 1860 فقط، أي بعجز يُقدّر بين 8500 و9500 أستاذ. أما نسبة التلاميذ المستفيدين فلا تتجاوز 19.5% من مجموع 5.4 ملايين تلميذ، وهو رقم يعبّر، بحسب الباحث، عن جمود واضح في مسار التعميم بعد أكثر من عشرين سنة على الانطلاقة.
إخلال بالالتزامات القانونية والدستورية
أوضح الأستاذ الباحث أوموش أن هذا البطء المزمن يتعارض مع الفصل الخامس من الدستور الذي ينص صراحة على رسمية الأمازيغية، كما يخالف مقتضيات القانون التنظيمي رقم 26.16 الذي حدد أجل خمس سنوات لتعميم تدريس الأمازيغية في جميع مستويات التعليم، ابتداءً من تاريخ نشره سنة 2019.
ومع حلول الموسم الدراسي 2024–2025، أي بعد مرور ست سنوات على صدور القانون، ما زال أكثر من 80% من التلاميذ في التعليم الابتدائي لا يستفيدون من حصص الأمازيغية، بينما تغيب تمامًا عن التعليم الإعدادي والثانوي والتعليم الأولي، فضلاً عن محدودية حضورها في التعليم الخصوصي الذي أبقته الوزارة في إطار “اختياري تدريجي”، رغم أن الطابع الرسمي لا يُدرّس بالاختيار.
مؤشرات ضعف التخطيط والالتزام المؤسساتي
اعتمادًا على الإحصاءات، لاحظ الباحث أن المسار البيداغوجي للأمازيغية ظل متذبذبًا بسبب غياب سياسة لغوية متكاملة داخل الوزارة.
فإلى حدود سنة 2023، لم تصدر أي مذكرة وزارية منذ 2012، قبل أن تصدر المذكرة 28/23 بعد 11 سنة من الفراغ، تلتها المذكرة 152/24 حول تدبير الموارد البشرية للأمازيغية. ومع ذلك، يرى أوموش أن هذه الخطوات ما تزال جزئية، وأن المنصة الرقمية التي أعلنت عنها الوزارة ينبغي أن تُعتبر وسيلة دعم لا بديلًا عن التعليم الحضوري.
كما لفت إلى ضعف الكتب المدرسية واحتوائها على أخطاء لغوية نتيجة السرعة في الإعداد، وإلى غياب إدراج الأمازيغية ضمن المواد الحاملة مثل التربية الفنية والتفتح الثقافي، مما يُفقدها حضورها الأفقي في الحقل التربوي.
نقد منهجي واقتراح بدائل واقعية
في تحليله للمسار، خلص أوموش إلى أن إدماج الأمازيغية لا يمكن أن ينجح بالعقلية التجريبية، بل يحتاج إلى قرار سيادي واضح يربط المسؤولية بالمحاسبة في تنزيل القوانين.
واقترح الباحث:
1. تسريع التوظيف عبر مباراة استثنائية لتكوين 10 آلاف أستاذ متخصص خلال ثلاث سنوات؛
2. إدراج الأمازيغية في الإعدادي والثانوي ابتداءً من 2026؛
3. تفعيل إلزامية تدريسها في التعليم الخصوصي؛
4. تعميم التكوين المستمر في مراكز التربية والتكوين؛
5. إحداث هيئة وطنية للتتبع والتقويم تشرف على مؤشرات تطبيق الطابع الرسمي للأمازيغية في المدرسة والإدارة.
النداء الاستعجالي باسم العدالة اللغوية
انطلاقاً من هذا التشخيص، واستناداً إلى روح خطاب أجدير والدستور المغربي لسنة 2011، توجه الباحث بنداء استعجالي إلى الحكومة المغربية والهيئات والمؤسسات الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من أجل تفعيل العدالة اللغوية الحقيقية، عبر إجراءات عملية عاجلة تشمل:
1. تدريس اللغة الأمازيغية بالبعثات التعليمية المغربية في الخارج، ترسيخًا للانتماء الوطني وتقوية الصلة بين أبناء الجالية وهويتهم الثقافية.
2. إدراج الأمازيغية ضمن برامج التكوين والتأطير الموجهة للمواطنين المغاربة بالخارج، خصوصاً في المراكز الثقافية والقنصلية التابعة لوزارة الجالية.
3. اعتماد مواد حاملة للثقافة الأمازيغية داخل المناهج الدراسية الأخرى (كالاجتماعيات، التربية الفنية، التربية الوطنية…) لتوسيع حضورها الأفقي في المدرسة المغربية.
4. فتح مسالك للتكوين التواصلي بالأمازيغية في جميع المعاهد العليا ومراكز تكوين الأطر (الصحة، الأمن، القضاء، الإدارة، والتربية) حتى تُصبح هذه اللغة أداة عمل مؤسساتية حقيقية.
5. إطلاق خطة طوارئ لغوية وطنية تمتد لثلاث سنوات لتدارك التأخر الحاصل في أجرأة القانون التنظيمي 26.16، وربط الدعم المالي واللوجيستي للمؤسسات بمؤشر إدماج الأمازيغية في برامجها.


تعليقات
0