الإدارة المغربية.. من إصلاح النصوص إلى تحدي التطبيق والجهوية

مع الحدث: ذ لحبيب مسكر

 

عندما نتحدث عن إصلاح الإدارة المغربية، فإننا لا نتحدث عن غياب القوانين أو ضعف النصوص التنظيمية، بل عن فجوة بين ما هو مكتوب وما يُمارس فعليًا على أرض الواقع. فالإشكال لم يعد في الإدارة كمؤسسة، بل في كيفية تفعيل القوانين والبرامج الإصلاحية التي وُضعت أصلاً لتسهيل حياة المواطن والمستثمر ودعم التنمية.

 

فخلال السنوات الأخيرة، شهد المغرب سلسلة من الإصلاحات الهيكلية الهامة، من قبيل اعتماد نظام “الشباك الوحيد” لتبسيط المساطر الاستثمارية، والانتقال نحو الرقمنة الإدارية في عدد من القطاعات، خاصة في الجبايات الضريبية، والإدارة المحلية، والجماعات الترابية. وهي إصلاحات ملموسة ساهمت في تقليص الاحتكاك المباشر بين المواطن والإدارة، والحد من بعض مظاهر الفساد والمعاملات غير المشروعة.

 

لكن رغم هذه الخطوات الإيجابية، ما زالت العقليات المتجذّرة والممارسات التقليدية تُبطئ وتيرة التغيير. فبعض الموظفين والمواطنين على حد سواء ما زالوا أسرى لثقافة “العلاقات” و”الوساطة” لتسريع مصالحهم، حتى داخل إدارات حديثة ومرقمنة. والأسوأ أن بعض المواطنين يجدون صعوبة في تصديق أن لهم حقوقًا مضمونة بالقانون، وأن أداء الموظف لواجبه ليس منّة، بل التزام قانوني وأخلاقي.

 

إن الثقافة الإدارية السائدة تمثل اليوم أحد أكبر التحديات التي تواجه الإصلاح، لأنها تتوارث جيلاً بعد جيل، وتحتاج إلى وقت وإرادة حقيقية لتغييرها. فالإدارة الحديثة لا تُبنى فقط بالمنصات الرقمية والأنظمة القانونية، بل بعقلية جديدة تُؤمن بخدمة المواطن، وبمفهوم حديث للمرفق العمومي قائم على الكفاءة والمحاسبة.

 

إصلاح الإدارة.. مدخله سياسي وعماده الجهوية واللاتمركز

 

إن تسريع وتيرة الإصلاح الإداري لا يمكن أن يتحقق دون قرار سياسي حازم وشجاعة في تنزيل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري. فالاستقلالية الجهوية الحقيقية ليست فقط شعاراً دستورياً، بل أداة فعالة لتقريب القرار من المواطن، وجعل التنمية أكثر عدلاً وتوازناً.

وفي هذا الإطار، يشكل تنزيل النموذج التنموي الجديد فرصة تاريخية لإعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع عبر ثلاث مرتكزات أساسية:

 

الجهوية المتقدمة كإطار لتوزيع عادل للسلطة والمسؤولية.

 

العدالة المجالية كضمان لتوزيع متوازن للثروة والفرص بين الجهات.

 

العدالة الاجتماعية كشرط لتحقيق التنمية البشرية الشاملة.

 

ولكي ينجح هذا الورش الإصلاحي الكبير، لا بد من تعزيز منظومة المراقبة والمساءلة. فالمراقب بدوره يحتاج إلى من يراقبه، ضماناً للشفافية ومنعاً لأي انحراف في السلطة. ولهذا بات من الضروري إحداث لجان مستقلة تتابع عمل لجان المراقبة والتفتيش، حتى لا تتحول الرقابة إلى مجرد واجهة شكلية.

خلاصة:

إن الإصلاح الإداري في المغرب قطع أشواطاً مهمة على مستوى التشريع والتنظيم، لكنه ما زال يحتاج إلى ثورة في الممارسة والعقليات. فالتحدي اليوم ليس في إصدار القوانين أو إطلاق المنصات الرقمية، بل في ضمان تفعيلها بفعالية، وتعميم روح الخدمة العمومية الحقيقية داخل كل إدارة ومؤسسة.

 

الإدارة المغربية الحديثة يجب أن تكون رافعة للتنمية والعدالة المجالية والاجتماعية، لا مجرد منفذ للمساطر. والإرادة السياسية الجريئة، إلى جانب التحول الجهوي الحقيقي، هما السبيلان لبناء إدارة تخدم المواطن وتواكب طموحات مغرب جديد يسير بثقة نحو المستقبل.

 

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)