التبوريدة.. فرجة أصيلة تُشعل المهرجانات الصيفية وسط معاناة الفرسان

مع الحدث

بقلم ✍️ ذ : لحبيب مسكر

 

مع حلول فصل الصيف، تنتعش المهرجانات المحلية والوطنية في مختلف ربوع المملكة، حاملةً معها أجواء الفرح والاحتفاء بالتراث المغربي. وإذا كانت السهرات الفنية تمثل إحدى ركائز هذه التظاهرات، فإن “التبوريدة”، أو ما يُعرف بفن الفروسية التقليدية، تظل من أبرز عناصر الجذب التي تأسر قلوب الجمهور وتعكس عمق الهوية المغربية.

 

تنتمي التبوريدة إلى الموروث الثقافي الشعبي المغربي، وتُعد شكلاً من أشكال الفروسية التقليدية التي تعود إلى قرون مضت. يجتمع فرسان بلباس تقليدي مميز، يركبون خيولاً مزينة بعناية، ويؤدون طلقات نارية منسجمة تعكس مهاراتهم العالية في التنسيق والانضباط. وتُقام “الحلقة” وسط فضاءات مفتوحة حيث يحتشد الزوار لمتابعة هذا العرض التراثي الآسر.

 

ما يميز التبوريدة هو قدرتها على استقطاب جمهور واسع من مختلف الأعمار والفئات. فالأطفال ينبهرون بجمالية الخيول وزينة السروج، بينما يجد الكبار فيها صدى لذاكرة جماعية تربت على حب الأرض والشهامة والفرس. وتتحول ساحات المهرجانات إلى فضاءات نابضة بالحياة، حيث تختلط روائح البارود بصفير الإعجاب وتصفيق المتفرجين.

 

ورغم البريق الذي يضفيه هذا الفن الأصيل على التظاهرات الصيفية، إلا أن فرسان التبوريدة يعيشون واقعاً صعباً يتسم بضعف الدعم المالي وغياب التأمين الطبي، خاصة مع ما تفرضه المهنة من مخاطر بدنية أثناء العروض. يعاني العديد من “المُقَدّمين” من غلاء الأعلاف وتكاليف تجهيز الخيول، في غياب تعويضات كافية أو دعم مؤسساتي يضمن استمرارية مشاركتهم.

 

كما يشتكي المهتمون بالتبوريدة من غياب نوادٍ متخصصة لتعليم هذا الفن، ما يصعب نقل الخبرات إلى الأجيال الصاعدة ويهدد استمرارية الموروث. ويظل كل ما يُكتسب يتم عبر اجتهادات فردية وتلقين داخل السربات، بعيداً عن أي إطار تكويني منظم.

 

فضلاً عن بعدها التراثي، تساهم التبوريدة في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، إذ توفر فرص شغل موسمية وترفع من الرواج التجاري بالمنطقة. كما أنها تدعم السياحة الداخلية، خاصة في المناطق القروية التي تجد في هذه الفعاليات فرصة للتعريف بمؤهلاتها.

 

تبقى التبوريدة عنواناً متجدداً للفخر والانتماء، وركيزة أساسية لإنجاح المهرجانات الصيفية، بما تحمله من فرجة، وتاريخ، وأصالة. غير أن الحفاظ على هذا التراث يتطلب إرادة حقيقية لدعمه، من خلال تمويل عادل، وتأطير مهني، وضمان اجتماعي يحمي من يجعلون من الفروسية رسالة حياة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)