الشباب بين الشارع والأحزاب: أزمة ثقة تهدد المشاركة السياسية

في السنوات الأخيرة، أصبح الشارع المغربي مسرحًا لتعبير الشباب عن مطالبهم المشروعة في الصحة والتعليم والعمل، بينما تكاد تغيب وجوههم عن المشهد الحزبي الرسمي. اللافت أن نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب، تُقدّر بحوالي 90%، لا ينتمون لأي حزب سياسي، وهو مؤشر واضح على أزمة ثقة متعمقة بين الأجيال الجديدة والمؤسسات الحزبية التقليدية.

الأحزاب السياسية، التي يُفترض أن تكون منابر للتأطير والمشاركة، فشلت في استقطاب الشباب وتقديم فرص حقيقية لهم. الواقع السياسي الحالي يكشف أن المقاصد الانتخابية غالبًا ما تهيمن على كل شيء، وأن التوريث الحزبي للمقاعد والمناصب أصبح ممارسة شائعة، حيث يتم تمرير المسؤوليات للأبناء والأحفاد، بينما يُهمل الشباب أصحاب الأفكار المستقلة والكفاءات الحقيقية، خصوصًا الذين لا ينتمون إلى دوائر المال والنفوذ داخل الأحزاب. هذا الوضع يعمّق الشعور بالإقصاء ويجعل الانخراط الحزبي تجربة محبطة، بينما يظل الشارع هو الملاذ الوحيد للتعبير عن المطالب الاجتماعية والسياسية.

الأرقام الحديثة تؤكد هذه الصورة: أكثر من 70% من الشباب المغربي لا يثقون في المؤسسات المنتخبة، و86% يعبرون عن عدم رضاهم عن أداء الأحزاب السياسية، بينما لا تتجاوز نسبة الشباب الذين يمارسون السياسة فعليًا 26.5%. هذه البيانات توضح أن المشكلة ليست شعورًا مؤقتًا، بل ظاهرة واسعة الانتشار تهدد السلم الاجتماعي واستدامة المشاركة الديمقراطية.

إن استعادة ثقة الشباب تتطلب إصلاحات عميقة: تجديد النخب داخل الأحزاب، فتح المجال أمام الكفاءات المستقلة، اعتماد الشفافية والمحاسبة، وإشراك الشباب في صناعة السياسات العامة. كما يجب تطوير منصات للتعبير الرقمي، وإعطاء دور حقيقي للمجتمع المدني في الحياة السياسية.

إذا لم تُجر هذه الإصلاحات، ستظل الفجوة بين الشباب والسياسة تتسع، وسيبقى الشارع هو البوابة الوحيدة لإيصال صوتهم، بما يفرض تحديات كبيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي في المغرب.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)