مع الحدث هند بومديان
ليست العطلة الصيفية مجرد فترة للراحة أو فرصة لتجديد الروح، بل هي مرآة صافية تكشف لنا عمق الهوة الاجتماعية بين من يملكون ومن لا يملكون. فبينما يفرّ بعض الناس إلى شواطئ مترفة، وفنادق راقية، ومدن سياحية صاخبة، يظل الفقراء عالقين في مدن الإسمنت، يطاردون شمسًا حارقة بلا ظل، ويقضون صيفهم بين جدران ضيقة أو أزقة مكتظة، حيث لا يعرفون من معنى العطلة سوى الحرّ والتعب.
العطلة في جوهرها حلم إنساني، لكنها تتحول في واقع الفقراء إلى ترف ممنوع، أشبه بعرضٍ يُشاهدونه من بعيد دون أن يكون لهم فيه نصيب. فهي ليست راحة، بل امتدادًا للمعاناة اليومية: ارتفاع الأسعار، ثمن النقل، غلاء المعيشة، وحاجيات أساسية لا يقدرون عليها، فما بالك بالكماليات التي يصير إليها غيرهم.
إن التفاوت الطبقي لا يتجلى فقط في الملبس والمسكن، بل في أبسط التفاصيل الإنسانية: متعة السباحة في بحر، أو السفر إلى مدينة أخرى، أو حتى الجلوس في مقهى مطلّ على شاطئ. هؤلاء الذين يعيشون على الهامش، أطفالهم يراقبون صور أقرانهم في مواقع التواصل، يبتسمون بمرارة أمام صور المسابح والفنادق، ثم يخلدون إلى نومٍ ثقيل على أسطح منازل متشققة تحت سماء صيف لاهب.
إن العطلة الصيفية في بلادنا لم تعد للجميع، بل تحولت إلى موسم يكشف عن قسوة الفجوة الاجتماعية. من جهة هناك من يستهلك الترف إلى حد التخمة، ومن جهة أخرى هناك من يكتفي بالصمت، وكأن قدره أن يعيش دائمًا في ظل الآخرين.
ولعل السؤال الأعمق: متى تتحول العطلة إلى حق جماعي لا إلى امتياز طبقي؟ متى يصبح صيف الفقراء صيفًا حقيقيًا، لا مجرد جدار من الحرمان والانتظار؟
فالعطلة ليست في النهاية سوى مرآة لعدالة غائبة.. وعدالة الشعوب تُقاس بمدى قدرة أبنائها على الاستمتاع بأبسط لحظات الحياة، لا بحرمانهم منها.
تعليقات ( 0 )