من داخل أروقة الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، يتصاعد النقاش من جديد حول تقييم الأفلام خاصة إن كان المخرج صديقا، ولا صداقة بين ناقد ومخرج ولا بين صحفي وفنان، والنقد في المشهد الثقافي المغربي ودوره بين من يراه شريكًا في بناء الوعي الفني، ومن يعتبره عدوًا يكشف العورات الفنية.
وفي هذه الأجواء قدّم الناقد السينمائي عبدالرحيم الشافعي تصريحًا قويًّا يبرز حجم التوتر القائم بين الخطاب النقدي الصادق وبين واقع فني يتغذى على المجاملة والنفاق.
قال الشافعي: النقد الجاد والصريح لا يحبه أحد، لأن الصراحة تجرح من تعوّد على التصفيق، وتكشف هشاشة الأعمال التي بُنيت على ضباب العلاقات وليس على صلابة الإبداع. “صارح مخرجًا وسيشتمك، وصارح ناقدًا وسيطعنك، وصارح ممثلاً وسينفر منك”. وأضاف: “رحم الله امرئًا أهدى إلينا عيوبنا، لكن في هذا المجال، من تصارحه يرد عليك بالعداء، ومن تنصحه يتهمك بالغيرة، ومن تكشف له ضعفه يراك خصمًا لا شريكًا”.
ويشدد الشافعي على أن النقد الصادق لا مكان له وسط علاقات ملغومة تغلب فيها المصالح الشخصية على القيمة الفنية. ويرى أن بعض من يحيطون بالساحة السينمائية “حولوا المهرجانات إلى فضاءات للولائم والهدايا والشراب بدل أن تكون مختبرًا حقيقيًا لتقوية الصناعة السينمائية. ويعتبر أن النفاق السينمائي تجارة سوق مريحة، لأنها لا تُغضب أحدًا، بينما الصراحة تفتح على صاحبها أبواب الكراهية.
ويكشف الناقد عن استيائه العميق من سلوك بعض الحاضرين في المهرجانات الذين يتعاملون بازدواجية صارخة، إذ يقول: أمقت أولئك الذين يصفقون في وجه صانع الفيلم أو الممثل ويغدقون عليه عبارات الإعجاب أمام الجمهور، ثم يدمدمون خلف ظهره بكلمات لاذعة وتقييمات جارحة. هذا السلوك نفاق يقتل الثقة ويقزم قيمة الكلمة.
ويؤكد الشافعي أن “النقد الحقيقي يُقال أمام الجميع وبمنتهى الوضوح. لانه مرآة صافية تُبرز مواضع القوة والضعف في العمل السينمائي دون خوف أو مصلحة.
ويضيف: العلاقات السامة بين النقاد الحقيقيين وبين من اعتادوا على المحابات تجعل من قول الحقيقة مغامرة شخصية ومهنية. لأنك حين تنتقد بصدق، تصبح هدفًا للتهجم والاتهام، وكأنك ارتكبت جرمًا لا يُغتفر.
كما يشير إلى أن السينما الوطنية لن تتطور إذا ظلت رهينة للمجاملات الرخيصة والصفقات الجانبية. ويؤكد أن الناقد ليس عدوا للفنان، لانه شريك صادق في تطوير الوعي الجمالي والدرامي، شريطة أن تكون العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل لا على شراء الذمم أو تكميم الأفواه.
قال الشافعي: بدأت أتأكد أن الوقوف مع ذاتك بأفكارك وآرائك، مهما كان الثمن، أفضل بكثير من سرطان النفاق الفني والإعلامي. فحاشا لله أن نأكل مال الحرام أو نبيع الكلمة تعبر فقط عن رأينا وليس رأي غيرنا.
ويختم الناقد السينمائي عبدالرحيم الشافعي تصريحه قائلاً: السينما فن كبير، والنقد النزيه ضرورة لبنائها، لا خصمًا لها. من لا يحتمل النقد لا يستحق أن يقف تحت الأضواء. أما من يصنع الفن بصدق، فهو أول من يفرح بمن يشير إلى مواضع ضعفه، لأن النقد الحقيقي ليس كراهية، بل حب من نوع مختلف.
ويكرر مبدأه قائلا: لا توجد علاقة صداقة بين الناقد والصحفي والفنان والمخرج، وإن وجدت تخفي معالم الحقيقة الفنية.
تعليقات ( 0 )