شهدت مدينة الزاك بين دجنبر 1979 وماي 1980 واحدة من أكثر مراحل حرب الصحراء المغربية دموية وتعقيدا، حين حاصر مقاتلو جبهة البوليساريو –المدعومون من ليبيا ودول أخرى– المدينة، بعد أن أحكموا السيطرة على جبال الواركزيز وأغلقوا منفذي النقب وتويزكي، في عملية عسكرية وصفت حينها بأنها من أكبر المواجهات الميدانية بعد معركة لبيرات.
في تلك الفترة العصيبة، تمكنت قوات البوليساريو من السيطرة على محاور استراتيجية، وقطع الطريق الرابط بين المحبس ولبيرات، كما تمركزت في منطقة لبطانة الممتدة على وادي تيغزرت استعدادا لهجوم أوسع ضد المواقع المغربية المحاصرة. وبات الفيلق الثالث للجيش المغربي مهددا بالانهيار أو الاستسلام، لتصدر حينها أوامر الملك الراحل الحسن الثاني إلى الجنرال أحمد الدليمي بفك الحصار بأي ثمن.
استجابة لذلك، تم تشكيل قوتين مغربيتين خاصتين أطلق عليهما اسما فيلق أحد وفيلق الزلاقة، بإشراف مباشر من الجنرال الدليمي. وقد أراد الملك من وراء هذه التسميات إضفاء بعد رمزي وتاريخي مستلهم من معارك الإسلام المجيدة، فـ”أحد” تذكير بصمود المسلمين الأوائل، و”الزلاقة” إحالة إلى نصر يوسف بن تاشفين في الأندلس.
في مطلع سنة 1980، أطلق الجيش المغربي عملية عسكرية واسعة النطاق تحت الاسم السري “إيمان”، بهدف تطهير جبال الواركزيز وفك الحصار عن الزاك. قاد العملية الميدانية كل من العقيد أحمد الحرشي والعقيد محمد عبروق، تحت الإشراف العام للدليمي، فيما ظل الفيلق الثالث محاصرا داخل المدينة يعتمد على الإمدادات الجوية التي كانت تصل بصعوبة، وأحينا تسقط بعيدا عن المواقع المستهدفة.
غير أن العملية واجهت كمينا محكما نفذته قوات البوليساريو. ووفق شهادات ميدانية، تعرضت وحدة من فيلق الزلاقة لتطويق شامل في ممر النقب، وتم تدمير عدد من آلياتها العسكرية، ما دفع مقاتلي البوليساريو إلى النزول من الجبال في محاولة للسيطرة على الغنائم. لكن سرعان ما قلب الجيش المغربي المعادلة، حين تدخلت دبابات T-55 بقيادة العقيد محمد أوجديد، المعروف لدى العدو باسم “مايك أوسكار”، أحد أبرز قادة فيلق أحد. وقد ترك هذا القائد بصمة خالدة في المعارك الميدانية، إذ خاض أكثر من ستين اشتباكا مباشرا مع البوليساريو وألحق بها خسائر فادحة.
استمر حصار الزاك أكثر من ستة أشهر، مثّل خلالها منعطفا حاسما في مسار الصراع بالصحراء المغربية. فقد واجه الملك الحسن الثاني واحدة من أصعب المراحل في تاريخ المملكة، لكنه تمكن، بحكمته وحنكته السياسية والعسكرية، من ترجيح كفة المغرب وإجبار خصومه على التسليم بحقيقة راسخة: أن المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها.
وفي نهاية الحصار، نجحت القوات المغربية في استعادة السيطرة على جبال الواركزيز وتأمين معبري النقب وتويزكي، ما أنهى إحدى أعقد صفحات الحرب. ومع ذلك، ظلت معارك الوركزيز وحصار الزاك جرحًا مفتوحا في الذاكرة الجماعية لساكنة المنطقة، خصوصا مع استمرار معاناة العديد من العائلات التي تعيش قسرا في مخيمات البوليساريو، وبقاء تلك الأحداث موضوعا مثيرا للجدل في الدراسات التاريخية والسياسية حول حرب الصحراء.





تعليقات
0