طبيعة العلاقة بين البرلمان و الحكومة في ظل دستور 2011.
مروان عسالي طالب باحث في شعبة القانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية.
يعتبر دستور 2011 من أبرز الدساتير المغربية التي أعطت أهمية كبيرة لتحديد طبيعة العلاقة بين البرلمان والحكومة، فبعدما خصص دستور 1996 ثلاثة فصول لهذه العلاقة، فإن الدستور الأخير للمملكة المغربية خصص سبعة فصول لتحديد طبيعة هذه العلاقة، وعبر هذه الفصول السبعة ادمجت تقنيات دستورية شكلية، لكن في العمق بقيت مظاهر تبعية البرلمان للحكومة بشكل واضح.
وفي دراستنا لطبيعة العلاقة بين البرلمان والحكومة عبر فرعيين أساسيين نتطرق في الفرع الأول للتحسينات الدستورية على المستوى الرقابي بين البرلمان والحكومة بينما سنتطرق لمظاهر استمرار تبعية البرلمان للحكومة في الفرع الثاني؛ وذلك من خلال الإجابة على التساؤلات التي تطرح في هذا الباب، كماهي التحسينات الدستورية على المستوى الرقابي بين البرلمان والحكومة؟ وماهي مظاهر استمرار تبعية البرلمان للحكومة؟
الفرع الأول:التحسينات الدستورية على المستوى الرقابي بين البرلمان والحكومة:
حمل دستور 2011 بعص التحسينات الدستورية ذات الصبغة التقنية لفائدة البرلمان، لتشمل الجوانب التالية:
أ- الجلسات الشهرية:
يعتبر هذا الإجراء من المستجدات الدستورية التي أتى بها دستور 2011، حيث يحضر رئيس الحكومة أمام البرلمان لتقديم الأجوبة حول الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة (1).
ب- عرض الحصيلة المرحلية:
بناء على احكام الفصل 101 من الدستور، تخصص هذه الجلسة لكي يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل حكومته، وتأتي إما بمبادرة من قبل رئيس الحكومة، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من قبل أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
الفرع الثاني: مظاهر استمرار تبعية البرلمان للحكومة:
بالرغم من تضمين دستور 2011 التحسينات الدستورية على مستوى رقابة البرلمان للحكومة؛ إلا أن المشرع المغربي لم يترك البرلمان سيد نفسه، بل استمر في تقييده بآليات متعددة شملت الجوانب التالية:
١- استمرار اسبقية الحكومة على البرلمان في المجال التشريعي:
على رغم من أن الفقرة الأولى من الفصل 78 منحت على قدم المساواة لرئيس الحكومة والبرلمان حق التقديم بمقترحات القوانين، لكن الفقرة الثانية من نفس الفصل يستشف من خلالها امتيازا للحكومة على حساب البرلمان.
من جانب آخر يحق للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون (2).
كما تم استمرار العمل بتقنية قانون الإذن، الذي يمنح الحكومة إصدار مراسيم قوانين، خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين، بالاتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين (3).
٢- اشكالية الاختصاص في سن القوانين التنظيمية:
من أبرز الاشكالات الدستورية التي اعترت أجرأة مقتضيات دستور 2011 مصادرة الحكومة حق السادة النواب واالمستشارين في التقدم بمقترحات قوانين ذات الصبغة التنظيمية التي جاء بها دستور 2011، وفي نفس الصنف من القوانين طرحت إشكالية دستورية في مسألة إيداع مشاريع القوانين التنظيمية، بحيث أن الفقرة الثانية من الفصل 78 تعطي الاسبقية لمجلس المستشارين والفصل 85 يعطي الاسبقية لمجلس النواب (4).
٣- استمرار عقلنة السلطات المالية للبرلمان:
يعد التشريع المالي من أكثر المجالات التي تكشف عن محدودية صلاحيات البرلمان في الإنتاج التشريعي، فقد أثبتت التجربة البرلمانية المغربية عن غياب أي مبادرة برلمانية في هذا المجال؛ لذلك أضحى مشروع القانون المالي اختصاصا حكوميا من ناحية إعداده وتحضيره، حيث ظل تدخل البرلمان في هذا المجال محكوما بقيدين أساسيين :
الأساس الأول: يرتبط بما أطلق عليه في دستور 2011 ب«توازن مالية الدولة»، حيث يلزم الفصل 77 منه، الحكومة والبرلمان، بالسهر على الحفاظ هذا التوازن. فهذه المسألة تحيل على تلك «القاعدة الذهبية» المتعلقة بالتحكم في العجز المالي المطبقة في عدد من البلدان الأوروبية، فالارتقاء بها إلى درجة القاعدة الدستورية، يجعلها تتعارض أو بالأحرى تتصادم مع الاختيارات السياسية والحزبية والانتخابية للقوى الفائزة في الانتخابات، لاسيما ذات المنزع الاشتراكي المناهضة لهذه القاعدة المرتبطة بالخيارات الإيديولوجية للمذهب الرأسمالي (5).
أما بالنسبة للثاني، فيرتبط بتلك الإمكانية التي منحها المشرع الدستوري للحكومة ل«رفض المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذ كان قبولها يؤدي، بالنسبة لقانون المالية، إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود» (6). حيث يبدو أننا أمام فصل دستوري يعبر بشكل صريح عن العراقيل التي تفرضها «العقلنة البرلمانية» على ممارسة البرلمان لسلطته في الموافقة وتعديل المقتضيات الضريبية في اتجاه تخفيضها أو ملاءمتها مع القدرة التكليفية.
كما لا يعني أن مصادقة البرلمان على مشروع قانون المالية واعتماده بشكل نهائي، يمنع الحكومة من التدخل من جديد لإعادة النظر فيما سبق للبرلمان أن قرره، فالفصل 45 من القانون التنظيمي للمالية، يمنح للحكومة إمكانية التدخل بمرسوم أثناء السنة المالية من أجل وقف تنفيذ بعض نفقات الاستثمار إذا اقتضت الظروف الاقتصادية والمالية ذلك. (7).
من بين التجليات الأخرى التي تبرز هيمنة الجهاز الحكومي على المؤسسة التشريعية، كما وسمها دستور 2011، نجد الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور التي تنص على أن “يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية، وإنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع البرلمان عليها، وعندما يوافق على تلك النفقات، يستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور”.
بناءا على الملاحظات السابقة، فإن إعمال آلية “العقلنة البرلمانية” لا تجعل البرلمان في وضعية تابعة للملك فقط، بل إنها تجعله تابعا حتى للحكومة؛ فهذه الأخيرة بمقتضى الفصل 72 من دستور 2011 تعتبر المشرع الأصلي حيث ينص “يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون”.
وحتى إن أرادت هذه المؤسسة التشريعية -البرلمان- تنزيل رؤيتها التشريعية تصطدم بمؤسسة حكومية متمثلة في الأمانة العامة للحكومة التي أصبح يطلق عليها “مقبرة القوانين” من طرف بعض الفاعلين السياسيين والمهتمين بالشأن العام. فيبقى أبرز مثال لذلك قانون منع التدخين في الأماكن العمومية الذي تم اقباره رغم انه تمت المصادقة عليه بالإجماع سنة 2008.
وأمام وعي كل من فرق الأغلبية والمعارضة، حق الوعي، أن البرلمان ليس المكان الحقيقي لمراقبة أعمال الحكومة، فإنه تحول -كما وصفه الأستاذ محمد زين (8) – إلى سيرك فرجوي نتيجة لترهل الطبقة السياسية المغربية.
الهوامش:
1: الفصل 100 من دستور 2011.
2: الفصل 79 من دستور 2011.
3: الفصل 81 من دستور 2011.
4: مقال علمي نشره خالد الشرقاوي السموني، بجريدة هيسبريس، بتاريخ الجمعة 20 فبراير 2015 – 18:28، تحت عنوان: ” إشكالات تطبيق الفصلين 78 و85 من الدستور بشأن المسطرة التشريعية”.
5: د.أحمد بوز، «الاختيار الديمقراطي» في الدستور المغربي الجديد، ص.122.
6: الفقرة الثانية من الفصل 77 من دستور 2011.
7: د.أحمد بوز، «الاختيار الديمقراطي» في الدستور المغربي الجديد، ص.123.
8: د. محمد زين الدين << الأنظمة السياسية المقارنة>> ص 226.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق