“لهيب الشرق: حين يسقط العقل في فخّ العنف”

✍️ هند بومديان

“لهيب الشرق: حين يسقط العقل في فخّ العنف”

في رقعة مضطربة من الجغرافيا العالمية، تعود منطقة الشرق الأوسط لتتصدر واجهات المشهد، وهذه المرة عبر صراع مفتوح بين قوتين إقليميتين: إيران وإسرائيل. حرب لا تشبه سابقتها، إذ تختزل في طياتها أبعادًا تتجاوز المواجهة العسكرية لتصل إلى عمق الأسئلة الاستراتيجية حول منطق الردع، وإدارة النفوذ، وتوازن القوى في منطقةٍ مأهولة بالخوف والرهانات المتضاربة.

ليست هذه الحرب وليدة لحظة، بل نتاج تراكمات عقودٍ من التوترات، التحريض، الحروب بالوكالة، والرسائل الملغومة عبر الحدود. هي حلقة جديدة في مسلسلٍ طويل من الانفجارات المؤجلة، اندلعت حين لم تعد التصريحات تكفي، ولا المناوشات بالظل تشبع شهوة الصراع.

1. تحليل استراتيجي: حسابات الردع والمعادلات الجديدة

تحكم الصراع الإيراني-الإسرائيلي عقيدة الردع المتبادل، والتي تعني الحفاظ على مستوى من التهديد يكفي لردع الطرف الآخر عن شن حرب شاملة. غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى انتقال هذا الردع من المستوى الكلامي إلى ساحة الاشتباك المفتوح.
إيران تعتمد على شبكة حلفاء إقليميين (كحزب الله والحوثيين)، وإسرائيل تمتلك تفوقًا تكنولوجيًا واستخباراتيًا يدعم قدرتها على توجيه ضربات دقيقة. الصراع بين الطرفين لم يعد محصورًا في الظل، بل يتحرك في العلن، عبر ضربات مباشرة على البنية التحتية العسكرية، والمواقع النووية، وحتى المنشآت المدنية أحيانًا، مما يزيد من خطر الانزلاق نحو حرب إقليمية أوسع.

2. الدور الإقليمي والدولي: مصالح متقاطعة وغياب الحسم

تتفاعل هذه الحرب مع مصالح قوى عالمية متناقضة.
الولايات المتحدة تسعى إلى تجنّب حرب كبرى قبل الانتخابات، لكنها في الوقت نفسه لا تتخلى عن التزاماتها تجاه أمن إسرائيل.
في المقابل، تحاول الصين وروسيا توظيف الأزمة لتقويض النفوذ الغربي في المنطقة، ودعم مواقف إقليمية تميل إلى التصعيد أو الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية.

الدول العربية تجد نفسها بدورها أمام موقف معقّد: بعض العواصم ترى في تصاعد القوة الإيرانية تهديدًا، فيما ترى أخرى في إسرائيل خصمًا تاريخيًا. هذا التوازن الحرج يجعل المواقف الرسمية باهتة، تخشى الانحياز، وتخشى الصمت.

3. مخاطر التصعيد: حدود الحرب وحدود الصبر

المخاوف الكبرى لا تتعلق فقط بالخسائر الآنية، بل بإمكانية أن تمتد الحرب لتشمل جبهات متعددة: لبنان، سوريا، العراق، وربما الخليج.
أي خطأ تكتيكي – سواء عبر اغتيالٍ، ضربة خاطئة، أو تصعيد في غزة – قد يشعل حربًا شاملة.

ولأن الطرفين يؤمنان بأنهما يملكان “الحق الكامل”، فإن الخطر يكمن في غياب نوافذ التفاوض، وغياب الوساطات المؤثرة.
فحتى الأمم المتحدة، بات صوتها ضعيفًا، وسط دويّ الانفجارات.

4. الخلاصة: العقل في زمن الطيش السياسي

في كل حرب، يُرفع شعار “الحق”، ويُتهم الآخر بالعدوان، وتُغلف النوايا بشعارات مقدسة… ثم يُترك المواطن العادي، المدني المجهول، ليدفع الثمن من حياته، من ذاكرته، من بيته الذي يُقصف وهو يراجع معطف طفله قبل أن ينام.

إنّ ما يحدث اليوم لا يهدد أمن منطقة فحسب، بل يعيد تشكيل الخريطة الذهنية للعالم، حيث تغيب العدالة الدولية، ويعلو صوت القوة على منطق الحكمة.

ويبقى السؤال:
إلى متى سيظل الشرق ساحة لتصفية الحسابات؟
ومتى يعود العقل ليحكم السياسة، بدل أن يُختطف منها؟

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)