موازين الفجوة… حين يحتفل البعض على أنين الوطن

 

“موازين الفجوة… حين يحتفل البعض على أنين الوطن”

✍️ هند بومديان

في بلدٍ يئن تحت وطأة الأزمات، من التعليم إلى الصحة، من غلاء المعيشة إلى بطالة الشباب، يُقام مهرجان “موازين” كل سنة كأن لا شيء يحدث، كأننا نعيش في دولة الرفاه، لا في وطنٍ يصارع كي يبقى واقفًا.

مهرجان موازين لم يعد مجرّد تظاهرة فنية كما تم الترويج له في بداياته، بل أصبح رمزًا لفجوة صارخة بين مغربين: مغرب يحتفل تحت أضواء النجوم، وآخر يغرق في الظلام، في المستشفيات المهترئة، والأقسام المكتظة، والبطالة المتفشية.

فبينما يختنق شباب الوطن في زنازين اليأس، يتم صرف ملايير السنتيمات في ليالٍ معدودة، يُستورد فيها “الفرح” من الخارج، وتُقَدَّم أجور خيالية لفنانين أجانب لا تربطهم بالوطن أي علاقة سوى رقم في شيك بنكي. وتبقى الشفافية غائبة، و”التمويل الذاتي” الذي يتحدثون عنه، مجرد غطاء هشّ يخفي دعمًا غير مباشر من المال العام.

في ظل هذا التناقض المؤلم، يحق للمواطن أن يتساءل:

  • بأي حقّ تُصرف هذه الملايير في لحظات لهو، بينما يعاني الملايين من ضيق العيش؟
  • بأي منطق تُستنفر القوات والموارد لحماية الحفلات، بينما تترك بعض المناطق دون أدنى شروط الحياة؟
  • أي ثقافة هذه التي تتجاهل المبدع المغربي وتُطرب آذاننا بالغريب؟

لا أحد ضد الفنون، ولا أحد يُنكر دور الثقافة في البناء المجتمعي، لكن ثقافة النخبة المعزولة عن واقع الشعب، لا تُبني وطنًا.
موازين اليوم لا توحد المغاربة، بل تعكس انقسامًا مريرًا: بين من يحضر في الصفوف الأولى، ومن يراقب من وراء الشاشات، يلعق مرارة الفوارق، ويسأل بصوتٍ لا يصل: “أين موازين العدالة؟”.

… وفي النهاية، يبقى السؤال الجوهري معلقًا:
هل نحن بحاجة إلى مهرجانات تصرف عليها الملايير لنخدر بها وعي الجماهير؟
أم نحن في أمسّ الحاجة إلى ثقافة تُعيد الاعتبار للمواطن، تُنير العقول، وتمنح الكرامة قبل المتعة؟

في زمن يتفشى فيه اليأس وتضيق فيه سبل العيش، لن يصنع الفن الحقيقي إلا إذا خرج من رحم المعاناة، من قاعات الدرس المهترئة، من قُرى العزلة، من أصوات الشباب المهمّشين… لا من خشبات مذهّبة لا تمثل إلا فئة لا ترى في الوطن سوى مسرحًا لعرض ثرائها.

فالفن، حين يُفصل عن همّ الوطن، يتحوّل إلى زينة جوفاء. والثقافة، حين تُبنى على الإقصاء والتبذير، تفقد معناها النبيل.
نحن لا نرفض الفن، بل نطالب بفنٍّ مسؤول، وبمهرجانات تُراعي سياق البلاد، وتُعبّر عن حاجات الناس لا عن رفاه القلة.
نريد موازين جديدة… تُعيد ترتيب الأولويات، لا فقط الأصوات.

 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)