مع الحدث ثقافة وفن.
بين أسوار شالة العتيقة، حيث تتكلم الحجارة بعبق الماضي، انبعثت أرواح عظماء صنعوا مجد هذا المكان: يوبا الثاني، بطليموس بن يوبا، لوكيوس كايوس ألبينوس، ماركوس فاليريوس فيرون، شخصيات خلدت في ذاكرة المغرب الكبير، تعود إلينا اليوم في عرض مسرحي يحمل عنوان “نوستالجيا – عاطفة الأمس، روح شالة”، تحت إشراف المخرج المسرحي أمين ناسور.
اعتمد العرض على توظيف جمالي لفنون الفرجة ومهن المسرح، جامعا بين السيرك، والسينوغرافيا (الديكور، الموسيقى، الأزياء)، بروح بريشتية تنهل من أسلوب التغريب، لتصوغ رحلة فنية تسافر بنا بين الأزمنة. من العصر الروماني ننتقل بسلاسة إلى العصر المريني، حيث نكتشف وجوها من التاريخ المغربي المشرق: السلطان الأسود أبو الحسن علي المريني، ابنه أبو عنان فارس، العالم لسان الدين بن الخطيب، المؤرخ ابن خلدون، وشمس الضحى زوجة السلطان.
الفرجة المغربية كانت وستظل غنية، بتاريخ يؤهلنا للريادة الثقافية والفنية. وهذا ما تسعى وزارة الشباب والثقافة والتواصل إلى تجسيده ميدانيا من خلال مشاريع كبرى كـ”نوستالجيا”، الذي يعتمد مقاربة تشخيصية هادئة، تتجلى في إشارات ركحية تجعل من الحركة قصة، ومن القصة فعلا، ومن الفعل سلوكا.
لا يمكننا إغفال الجهد الكبير الذي بذل لإنجاز هذا المشروع، الذي يمثل خطوة رائدة في استثمار التراث الثقافي، وإعادة استنطاق الذاكرة الجماعية، وتوريثها للأجيال الجديدة.
إنني، وأنا أكتب هذه الكلمات، أشعر أنني واحدا من تلك الأرواح التي عاشت زمن شالة. وما مسرحة المواقع الأثرية سوى دليل على أن المغرب يحمل تاريخا زاخرا لا يقل أهمية عن أي حضارة أخرى. إن كان لهم الإسكندر الأكبر، فلنا مولاي إدريس، وأبو الحسن المريني، ويوسف بن تاشفين…
ماذا لو استثمرت الثقافة المحلية و التاريخ في خدمة الفن سواء المسرح أو السينما؟
المسرح والسينما قادران على إحياء شخصيات مثل محمد بن عبد الكريم الخطابي، الزرقطوني، وغيرهم من رموز المقاومة الذين مارسوا طقوس التأمل، وانغمسوا في عوالم التصوف ليبلغوا ذروة النشوة والتحرر. أولئك الأبطال، إذا ما جسدت سيرهم في عروض فنية، ستشكل اعترافا صريحا بسلف بنى ركائز الدولة، و ضمانا لاستمراريتها، دفعا لحركية ثقافية واقتصادية حقيقية.
إن إدماج هذا الوعي في تكوين خريجي المدارس والمعاهد الفنية سيخلق جيلا مثقفا، مبدعا، مرتبطا بجذوره، سواء في المسرح أو السينما أو الفنون التشكيلية.
في ختام هذه الرحلة، لا يسعني إلا أن أوجه شكري العميق لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الفني المتكامل.
الشكر للمخرج الأستاذ أمين ناسور، مهندس هذا المشروع، الذي جمع تفاصيله بدقة كالفسيفساء.
الشكر للفنان عبد الفتاح عشيق، وفريد الركراكي، وعثمان السلامي المشرف على إحدى قطع هذا العمل الضخم، والذي كان لي الشرف أن أكون جزءًا منه.
كما أحيي الفنان أنوار الزهراوي وطاقمه الذي أبدع في تصميم الأزياء وإلباس الطاقم الضخم، فكان عنصرًا بصريا مكمّلًا لروح العرض.
تعليقات ( 0 )