نيكولا ساركوزي.. من السياسة إلى المستطيل الأخضر: خيوط فرنسية-قطرية تهز عرش باريس سان جيرمان

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر

في تطور جديد يعيد خلط الأوراق بين عالم السياسة وكرة القدم، كشفت صحيفة ميديا بارت الفرنسية عن معطيات مثيرة تتعلق بدور الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في صفقة شراء نادي باريس سان جيرمان من طرف قطر، وفي منح الدوحة استضافة كأس العالم 2022، وسط شبهات فساد وتداخل مصالح مالية وشخصية.

تأتي هذه التسريبات في ظرف حساس بالنسبة لساركوزي، الذي صدر بحقه مؤخرًا حكم بالسجن خمس سنوات نافذة في قضية التمويلات الليبية، مما زاد من حدة الجدل حول إرثه السياسي وعلاقاته المتشعبة مع رجال الأعمال والمال.

غداء الإليزيه الذي غيّر مجرى الكرة العالمية

القصة تعود إلى يوم 23 نونبر 2010، حين استقبل ساركوزي في قصر الإليزيه كلًا من الأمير تميم بن حمد آل ثاني، آنذاك ولي عهد قطر، وميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، إلى جانب كلود غيان الأمين العام للرئاسة الفرنسية.
وحسب التحقيقات، فإن ذلك اللقاء كان نقطة التحول الكبرى في مسار منح مونديال 2022 لقطر، إذ غيّر بلاتيني بعده موقفه وصوّت لصالح الملف القطري. وتشير المعطيات إلى احتمال وجود اتفاق غير معلن بين باريس والدوحة: دعم فرنسي سياسي في مقابل استثمارات قطرية ضخمة داخل فرنسا، من أبرزها صفقة شراء باريس سان جيرمان، النادي الأقرب إلى قلب ساركوزي.

تشابك المصالح والأرباح الخفية

التحقيق الذي نشرته “ميديا بارت” يكشف أن رجل الأعمال سبيستيان بازان، مالك النادي حينها عبر صندوق “Colony Capital”، تفاوض على البيع بدعم مباشر من ساركوزي. وبعد أن كان السعر المبدئي يقارب 30 مليون يورو، انتهت الصفقة عند 64 مليون يورو بفضل “إقناع الرئيس للقطريين”، حسب ما ورد في رسائل نصية كشفتها التحقيقات.

لكن المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد إتمام الصفقة، تقول المصادر إن بازان، الذي أصبح لاحقًا رئيس مجموعة الفنادق العالمية Accor، كافأ حلفاءه:
ساركوزي نفسه عُيّن مستشارًا للمجموعة براتب سنوي يفوق 80 ألف يورو.

ابنه بيير ساركوزي، المعروف باسمه الفني DJ Mosey، حصل على عقود لتنظيم حفلات في فنادق Sofitel.
بينما استفاد مقربون آخرون مثل أرنو لاغاردير من تمويلات قطرية لمؤسساته الإعلامية.

تحقيقات في ملفات فساد وتمويلات سياسية

اليوم، تخضع هذه القضايا لتدقيق قضائي واسع في فرنسا ضمن تحقيق رسمي حول الفساد، واستغلال النفوذ، والتمويل غير القانوني للحملات الانتخابية، بناءً على شكاية تقدمت بها جمعية مكافحة الفساد Anticor سنة 2023.

القضاة يسعون إلى تحديد ما إذا كان ساركوزي قد استفاد شخصيًا من هذه العمليات، أو استغل منصبه الرئاسي لترتيب مصالح مالية لأصدقائه وشركائه.

من جهته، ينفي الرئيس الأسبق كل الاتهامات، مؤكداً أنه تصرف “من أجل مصلحة فرنسا وكرة القدم الفرنسية”، بينما يظل نادي باريس سان جيرمان بعيدًا عن أي ملاحقة مباشرة، إذ تتركز التحقيقات على الصفقة السياسية والمالية التي رافقت بيعه سنة 2011.

بين الكرة والسياسة.. الحدود تذوب

بعد أربعة عشر عامًا على تلك الوليمة الشهيرة في الإليزيه، يستمر باريس سان جيرمان في حصد الألقاب واستقطاب النجوم، لكن الظل السياسي الذي رافق ولادته القطرية لا يزال يخيم على صورته في الإعلام الفرنسي.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه قطر كقوة ناعمة في عالم الرياضة، يجد ساركوزي نفسه اليوم أمام حكم قضائي جديد وشبهات قديمة، تذكر الفرنسيين بأن كرة القدم ليست دائمًا مجرد لعبة، بل في أحيان كثيرة ساحة نفوذ ومصالح تتجاوز حدود المستطيل الأخضر.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)