فريد حفيض الدين.
هل يمكن اعتبار الإستثمار في التعليم الخصوصي، استثمارا عاديا كباقي الإستثمارات الهادفة إلى الربح المادي بالدرجة الأولى. أو على عكس ذلك، يعتبر استثمارا استثنائيا لكون أهدافه اجتماعية وتربوية بالدرجة الأولى…
في الحقيقة يستعصي الوصول إلى الخطوط الفاصلة والمحددة لكلا الإستثمارين. غير أن هناك منحى يسير في وصف الإستثمار في قطاع التعليم الخصوصي، على أنه إستثمار ريعي وربحي ولا يعير للمسألة الإجتماعية والتربوية أي إهتمام.
وهذا الرأي هو السائد لدى أغلبية المواطنين الذين اظطروا اللجوء إلى هذا النمط من التمدرس.
لكن دعونا نخوض ولو جزئيا في بعض إشكالية التعليم الخصوصي عندنا…..
لا يختلف إثنان في كون كلفة هذا التعليم جد باهظة، ومكلفة ماديا مقارنة بمستوى عيش ومعيشة الأغلبية الساحقة من المواطنين. اللهم الطبقة الميسورة التي تدفع بأبنائها للتمدرس من خلال البعثات الدراسية الأجنبية.
هذه التكلفة المادية تؤكدها دراسة حديثة، أشارت إلى كونها تلتهم ما بين 20 و 50 في المائة من دخل الأسر المغربية التي اختارت مجبرة هذا النوع من الدراسة لأبنائها.
لكن إلى جانب هذه التكلفة، أصبح الحديث يتمحور حول جودة هذا التعليم من عدمها، وهل ما يقدمه لزبنائه من خدمات يساوي فعلا سومة ما تقدمه العائلات من تضحيات مادية.
الجواب غالبا ما يكون بالسلب ، لكن هناك مع ذلك اعتراف من آباء وأولياء تلاميذ التعليم الخصوصي، من كونه يتفوق على التعليم العمومي ويفوقه جودة ومردودية.
الدليل هو إرتفاع عدد مؤسسات التعليم الخصوصي ، التي إرتفع عددها مابين سنة 2010 و 2020 إلى 3061 مؤسسة ، وأصبح عددها حاليا في حدود 6229 مؤسسة.
كما أنها تمثل حاليا ما يقارب 36 في المائة من إجمالي الممدرسين بالمغرب، وبنسبة 46 في المائة من تلاميذ الإعدادي والثانوي. وتختلف هذه النسب خاصة بين المدن والقرى….
مقابل جودة هذا التعليم من عدمها، تستفيد هذه المؤسسات من إعفائات ضريبة هامة، أهمها الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على كل التجهيزات المدرسية ، وكذلك عربات النقل المدرسي .
المؤسف هنا أن جل هذه المؤسسات لا تلتزم بالقوانين ، وتحرم بعض أجرائها حتى من الحد الأدنى للأجور ، والتسجيل في صناديق التغطيه الإجتماعية والصحية والتقاعد…
لكن من ساهم في هكذا وضعية؟
أكيد وبالدرجة الاولى ، هناك تقاعس التعليم العمومي وانحطاطه. هذا التعليم ولظروف اقتصادية واجتماعية ، وحتى إيديولوجية أصبح كمختبر تجارب ، قدم وصفات علاجيه مرحلية ، وترقيعية في الغالب خدمة لأجندات سياسية ضيقة على حساب سياسة تربوية وتعليمية جاهزة وشاملة ومندمجة وتساير التطور العلمي والتكنلوجي والبداغوجي والتربوي.
هكذا أنتج تعليمنا كوارث علمية ومعرفية ، ساهمت في تعطيل منظومة التعليم منذ الاستقلال إلى اليوم وعطلت عملية الإدماج المهني والعلمي لخريجي منظومتنا التعليمية.
قبل أن اختم أشير هنا إلى فعاليات
” المشاورات الوطنية لتجويد المدرسة العمومية ” من خلال ورشات ذات بعد وطني وبمشاركة كل الفاعلين والمهتمين والفاعلين في منظومة التعليم العمومي بما فيهم التلاميذ . هذه الفعاليات لا زالت مستمرة إلى حدود الساعة.
لكن دعوني أقول أن مخرجات هذه
المشاورات لن تخرج عن سابقاتها .
ولنا في المخطط الاستعجالي الأخير خير دليل على ذلك .
هذا المخطط الذي التهم ميزانية تقترب من خمسين مليار درهم ( إن لم تخني الذاكرة )
والذي عمل بعجل واستعجال على إرسال التعليم إلى المستعجلات عوض علاجه….
من دون إرادة سياسية حقيقية للدولة ،واقول وأكرر للدولة، لن يكون هناك لا إصلاح ولا جودة لتعليمنا العمومي والخاص.
ما أراه اليوم وما هو موجود في الأسواق هو ” جودة ” إحدى ماركات الحليب ومشتقاته….
هذا جهدي عليكم!!!!
Share this content:
0 comments