هكذا تحولت بلدة في كندا من كراهية الأجانب لحب المهاجرين
شهدت بلدة هيروكسفيل بكندا، “تغيرا جذريا”، فبعد أن كانت لسنوات مكانا لا يرحب بالمهاجرين والأجانب، تحولت إلى فضاء نموذجي للتعايش بين مختلف الأعراق والجنسيات.
وتبنت البلدة الواقعة في مقاطعة كيبك لسنوات، سياسات متشددة في قضايا الهجرة واستقبال الأجانب، وسبق أن أثارت جدلا واسعا عام 2007، بعد أن أصدرت تعليمات، للمهاجرين المسلمين الراغبين في الانتقال للعيش فيها بـ”ضرورة ألا يرجموا النساء حتى الموت أو يحرقوهن أو يعرضوهن للختان..”، وهي التوجيهات التي رفضتها الجاليات المسلمة بكندا وعدتها “مشينة ومهينة”.
وقبل 5 سنوات، قطعت البلدة مع سياساتها التي توصف بـ”العنصرية”، في هذا السياق، يقول عمدتها وأحد أبرز داعمي سياسات الهجرة، برنارد تومسون: “لقد حصلنا على استراحة من ماضينا، ونريد الآن أكبر عدد ممكن من المهاجرين”.
ويأتي التغير الجذري في موقف هذه البلدة الصغيرة، بحسب “نيويورك تايمز”، بالتزامن مع مساعي كندا إلى مواصلة خطط استقبال المهاجرين، حيث حددت أهداف هجرة قياسية للسنوات القليلة المقبلة.
وأعلنت الحكومة الفيدرالية الكندية، عن خطط لاستقبال أعداد قياسية من المهاجرين خلال السنوات الثلاث المقبلة، بهدف إضافة 1.45 مليون مهاجر إلى سكان البلد البالغ عددهم 39 مليون نسمة.
ويعتبر موقف الحكومة الكندية تجاه الهجرة “مختلفا” عن مواقف الحكومات في الدول الغربية مثل السويد وإيطاليا، التي تسعى أحزابها المنتخبة حديثا إلى الحد من الهجرة وتحميل المهاجرين مسؤولية الجريمة والفوضى، وفق الصحيفة.
وبإقليم كبيك، سعى أيضا سياسيون، إلى تأجيج المشاعر المعادية للمهاجرين، من خلال استغلال مخاوف الناخبين من فقدان هويتهم الثقافية وضياعها وسط موجات الهجرة، غير أن الضرورات الديموغرافية وتغير البنيات الاجتماعية بالمقاطعة الناطقة بالفرنسية، أحدث تحولا في المواقف وأصبحت أكثر قبولا لسياسات الهجرة، بل وداعمة لها.
وربط تقرير “نيويوك تايمز” تحول الآراء بخصوص الهجرة، إلى مجموعة من العوامل الأساسية، من بينها شيخوخة السكان، وانخفاض معدل المواليد، والحاجة إلى سد النقص الحاد في العمالة، بالإضافة إلى التحولات العميقة بخصوص قضايا المهاجرين بين الأجيال الشابة.
واستقطبت المدينة التي يصل عدد سكانها إلى 1336، حوالي 60 مهاجرا خلال العامين الماضيين، من دول أميركا الجنوبية وأفريقيا وأوروبا، ويمثل هذا العدد، رقما قياسيا بالنسبة للمدينة الصغيرة.
التونسية حبيبة حمادي، 40 عاما، واحدة من المهاجرات اللائي انتقلن إلى المقاطعة منذ أزيد من عام، مع زوجها وابنيهما، بعد أن حصلت على فرصة عمل في قطاع التأمين.
وتقول حبيبة، إن الابتعاد عن عائلاتهم كان أصعب خلال شهر رمضان والأعياد الأخرى، مضيفة أنها لم تسمع قط بالقوانين التي كانت تضعها المدينة في السابق ضد المهاجرين، وتكشف أنها لقيت ترحيبا حارا من قبل السكان المحليين.
وتضيف السيدة التونسية في حديثها لنيويورك تايمز: “بعد وصولنا، تلقينا العديد من المكالمات الهاتفية للترحيب بنا، كما أن أشخاصا يطرقون بابنا ليسألنا عما إذا كنا بحاجة إلى أي شيء”، مضيفة: “في إحدى المرات قدم أحد الجيران حقيبة كبيرة من الألعاب لأطفالنا”.
وسعى مسؤولو الشركات المحلية في مدن بمقاطعة كيبك إلى استقبال العمال الأجانب للعمل والاستقرار، كما عمل السكان المحليون بدورهم على الترحيب بـ”الضيوف الجدد”، وأطلقوا برامج لمساعدة المهاجرين على الاستقرار والاندماج بالمجتمع، أبرزها إنشاء مركز اجتماعي تم توسيعه حديثا يسمى “منزل العائلات”.
وبفضل الجهود التي بذلتها المدينة، حصلت قبل أشهر، على جائزة حكومية تشيد بسياساتها تجاه المهاجرين.
عبد الكريم العثماني، 33 عاما، شاب من جنوب تونس، هاجر بلاده أيضا قبل ما يقرب من عامين للعمل في مجال الميكانيك، يقول إنه، “يسمح له في شهر رمضان الماضي، بأخذ استراحة مبكرة لتناول الإفطار بعد غروب الشمس”ّ.
ويعبر الشاب التونسي الذي يخطط للزواج قريبا وإحضار شريكته من تونس للعيش معه بكندا، عن سعادته بحياته الهادئة بالبلدة، قائلا إنه يفضل هدوءها على وتيرة المدن المزدحمة.
من جانبه، يبدي صديقه وزميله في العمل، أليكس، إعجابه بالتزام الشاب التونسي القوي في الصداقة والعمل الجاد، قائلا: “كريم، أول مهاجر قابلته في حياتي، وآمل أن يأتي المزيد من المهاجرين إلى هنا”.
غير أن مقال الصحيفة الأميركية، يشير بالمقابل، إلى استمرار انتشار أفكار رافضة لاستقبال الأجانب، خاصة في أوساط الفئات الأكبر سنا، التي تتوجس من سياسات كندا في مجال الهجرة وترفضها.
Share this content:
إرسال التعليق