واجب البيان وسنة التدافع بين الحق والباطل بقلم الباحث في سلك الدكتوراه الأستاذ مصطفى القرزاد المراكشي
مع الحدث .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على منْ لا نبيَ بعده؛ أما بعد:
فقد شهدت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا سجالا حول مسلسل يُعرض على بعض القنوات المحلية، وذلك عقب انتشار مقطع للأستاذ (ياسين العمري) يُبيّن فيه الحكم الشرعي في المسلسلات عموما، وفي مسلسل يُقدم (الشيخة) على أنها أنموذج للأم التي قد تصلح أن تكون مربية، وبيّنَ خطورة ذلك على التربية والمجتمع المسلم، وتقديم ما يمجّه المجتمع وينبذه ويعتبره معرّة وسَوءة يجب أن تُستر على أنه قدوة، وإذا ذُكر لفظ (الشيخة) في بلد المغرب فإن معناه ينصرف إلى امرأة راقصة تشرب الخمر وتسهر حتى الفجر في الأعراس، والحفلات وتُغني بالكلمات الساقطة، وهلم جرا وانحرافا…
فلما تحدّث الأستاذ ياسين عن بعض هذه المحظورات في شرعنا قامت بعض الأقلام بالتعرّض له والدفاع عن هذا النوع من الانحراف والتمثيل الساقط، بل منهم من اعتبر عمل (الشيخة) عملا شريفا مثل: المهندس والطبيب وغيرهما، وزاد أستاذ جامعي معنى آخر : أنها مجاهدة ومقاومة قاومت الاستعمال بفنّ (العيطة).
وزيادة في التوضيح نقول: إن المدافعين عن هذا المجون والفجور أنواع، منهم :
دعاة علمنة المجتمع الذين يرون أن للإنسان الحرية في فعل أي شيء ومشاهدة أي شيء، وإن كان الدين يحرّمها ويمنعها… وهؤلاء فئات -أيضا- منهم المأجرون الذين يخدمون أجندة معينة وفكرا معينا.
ومنهم من تأثرّ بالفكر التغريبي لكثرة ما يمرّ على بصره وسمعه من الأفكار والصور التي تجعله منساقا وراء هذا النمط من التفكيروالانحراف، وخصوصا أن غالبهم ليس لهم زاد شرعي يقوّم فكرهم ويعصمهم من هذا الزلل ويُرجعهم إلى جادّة الصواب.
ومنهم من اعتاد المخالفات في حياته حتى أصبح عنده التمثيل ومشاهدة المسلسلات والرقص والغناء أمرا عاديا، وخصوصا لما ينشأ في بيئة غير مستقيمة اعتادت المخالفات الشرعية.
وقد حاول جلّ من أنكر على الأستاذ ياسين ،أن يقولوا-بلسانه حالهم هو من كيس الأستاذ والخلاف خلاف معه لشخصه وفكره، وليس خلافا مع ما جاءت به شريعتنا الغرّاء، ولبيان ذلك لابد أن نرجع إلى إسلامنا الذي نتعبد الله به هل يحرّم هذا الذي يُبثّ عبر كثير من وسائل الإعلام – وخصوصا في شهر رمضان شهر العبادة والصيام والقرآن- أم أن الأمر مباح وإنما تشدّدَ كثير من الدعاة فحرّموه؟
أولا: إننا نعيش في بلد مسلم يدين بدين الإسلام وينعم بالأمن والأمان وهذا بفضل الله تبارك وتعالى ، وأن المذهب السائد في هذه البقعة هو المذهب المالكي، والنقول عن الإمام مالك -رحمه الله- (ت179هـ) تُبيّن ما هو أقل من ذلك محرّم- فكيف بهذا الفجور- بالاستناد إلى نصوص الشرع، بل الأئمة الأربعة على حرمة الغناء ؛ بل الإجماع على حرمة هذا المجون الذي يصحبه كثير من المنكرات، ولا أحد من عقلاء المسلمين يقول بحلّ هذا.
ويزداد الأمر سوءا وفحشا حينما يكون ذلك مجاهرة، بل وتقديمه لعامة المسلمين على أنه واقع نعيشه ويجب علينا أن نرضى به دون إنكار ولا امتعاض، وفي الحقيقة هذه بعض الرسائل التي تُكتب قصصا لتُمثل بعد ذلك أفلاما ومسلسلات عبر بعض القنوات العامة والخاصة، وفيها أهداف واضحة منها تمييع المجتمع والتطبيع مع المنكرات والفواحش.
ثم لنا أن نتساءل لماذا هذا الكم الهائل وهذا الزخم من الأفلام والمسلسلات الماجنة في رمضان على الخصوص ؟!
أليس رمضان هو شهر طاعة وعبادة عند المسلمين؟!
فإذا تبيّنَ العاقلُ ذلك فإنه يجب عليه أن يسلك طريقة النجاة لنفسه ولأسرته ولإخوانه، بالتحذير من هذه المخالفات العظيمة والمنكرات الفاحشة، والرسائل الملغومة والأفكار الهدّامة التي تُبثّ عبر قنواتنا المحلية- وغيرها -، وهذا الأمر يشترك فيه كل عقلاء المسلمين -وليس الداعية ياسين العمري وحده – كما يصوّره كثير من الذين صدق فيهم قول ربنا-جل وعلا-:ﵟوَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا ٢٧ﵞ.
وإن الله -تبارك وتعالى- ذكر في كتابه خُلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من مثل قوله- سبحانه- : ﵟوَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤ ﵞ ، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله: ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، رواه مسلم وغيره.
وقد ذكر العلماء ونقل بعضهم الإجماع على وجوب تغيير المنكر حسب المراتب المذكورة في الحديث ،منهم ابن عطية والقرطبي.
ومن ثَمَّ نقول إن ما يقع اليوم في الساحة بين من أراد الخير للناس بدعوتهم للعفة والحشمة والحياء والحفاظ على الهوية الإسلامية والبعد عن المحرمات، وبين ما يدعون إلى الأفكار الهدامة والشهوات المحرمة، إنما هو من سنة التدافع بين الحق والباطل، وليس وليد اليوم، وما الأستاذ ياسين إلا فرد من أفراد الأمة قام ويقوم بواجب النصح- جزاه الله خيرا-.
والحمد لله رب العالمين.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق