مع الحدث
المتابعة ✍️: د عبدالعالي الطاهري
في سياق عالمي محكوم برؤية المال والأعمال، وبلغة الربح المالي والمضاربات التجارية وكذا التنافس الشَّرس، الذي لا مجال فيه للعاطفة ولا للحس الإنساني، تقفز إلى واجهة المشهد الإفريقي والعربي ومعه الدولي، نماذج حية من رجال أعمال، ومهما بلغوا من رفعة اجتماعية ووجاهة اقتصادية وسياسية ومالية، تبقى روح الإنسان بمعاني العطاء والإحسان هي المرجعية المحركة لهم وبوْصَلتُهم في دروب الحياة.
اليوم سنسلط الضوء على شخصية نموذجية، هي هامة وقامة اقتصادية كبرى وقبلها معرفية وثقافية وتربوية فوق المتميزة، بمسار عصامي يدعو إلى التمعن والتدبر ومعهما حُسن الاقتداء.
هو الأستاذ محمد ولد بوعماتو، نعم الأستاذ، فهو الإطار التربوي المُربي ومعلم الأجيال، قبل أن ينخرط في مجال المال والأعمال، كأحد أهم اقتصاديي منطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بتوجه استثماري مُتعدد الأقطاب ومتنوع الرؤى، من القطاع البنكي إلى الاتصالات فقطاعي العقارات والطاقة.
محمد ولد بوعماتو..المربي والمعلم
وُلد محمد ولد بوعماتو في العام 1953 في موريتانيا، ومرت حياته بمسيرة استثنائية بدأت في مجال التدريس، قبل أن ينتقل إلى عالم المال والأعمال ويصبح من أكبر المستثمرين ورجال الأعمال في البلاد وعلى المستوى القاري أيضًا (القارة الإفريقية). وعلاوة على مساره الاقتصادي المتميز والناجح، برز أيضًا كفاعل ومساهم رئيسي في مجال العمل الخيري والإنساني على المستويات المحلي والإقليمي والدولي.
البداية والنشأة
وُلد محمد ولد بوعماتو في عام 1953 في موريتانيا، في وقت كانت البلاد تمُرُّ بتحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة. حيث نشأ في بيئة متواضعة وبدأ مسيرته المهنية في مجال التدريس، ورغم النجاح الذي حققه في مجال التعليم، إلا أن طموحه الكبير دفعه إلى البحث عن فرص جديدة في عالم الأعمال في سن مبكرة. ففي العشرينات من عمره، قرر أن يتوجه إلى مجال التجارة والاستثمار، ليبدأ رحلة بناء إمبراطوريته الاقتصادية.
رجل الأعمال..الرؤية الاستثمارية السديدة
في تحوُّل حياتي نوعي، انتقل محمد ولد بوعماتو من مجال التدريس إلى عالم المال والأعمال في مرحلة جد مبكرة من حياته، وكان له رؤية بعيدة المدى في استثمار الأموال وحُسن توجيهها وتوظيفها، التوظيف المناسب والأمثل، نحو قطاعات حيوية للاقتصاد الموريتاني. حيث بدأ مسيرته التجارية بتأسيس مجموعة من المشاريع الصغيرة، ولكن مع مرور الوقت استطاع أن يبني إمبراطورية اقتصادية ضخمة شملت مجموعة متنوعة من القطاعات.
بنك موريتانيا العام (GBM)..الذراع المالي للاقتصاد الموريتاني.
في عام 1995، أسس محمد ولد بوعماتو بنك “موريتانيا العام” (GBM)، الذي أصبح واحدًا من البنوك الرائدة في البلاد، إذ ساهم البنك في تعزيز الاستقرار المالي في موريتانيا وفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والمشاريع الاقتصادية، علاوة على المساهمة في جلب استثمارات أجنبية ضخمة للبلد، ومن ثمة المساهمة في تحقيق الرؤية التنموية الموريتانية في بُعدها الشمولي.
المرحلة الثانية..قطاع الاتصالات
تكريسًا لنهجه الاقتصادي ورؤيته التنموية لوطنه الأم موريتانيا، جاءت المشاركة القوية والفعالة لرجل الأعمال الوطني ولد بوعماتو، في تأسيس وإطلاق شركة ماتل للاتصالات في عام 2000، التي كانت من أولى شركات الاتصالات التي ساهمت في تحسين خدمات الاتصال في موريتانيا. حيث لعبت “ماتل” دورًا محوريًا في توفير خدمات الهاتف المحمول في الوقت الذي كانت فيه هذه الخدمات في مراحلها الأولى في البلاد.
الاستثمار برؤى متعددة
لا تقتصر استثمارات محمد ولد بوعماتو على المصارف والاتصالات فحسب، بل تشمل أيضًا العديد من المجالات الاقتصادية الحيوية مثل العقارات والطاقة. وقد لعبت هذه الاستثمارات دورًا كبيرًا في تعزيز النمو الاقتصادي في موريتانيا وتحقيق الاستقرار المالي في المنطقة.
المنفى الاختياري والعودة إلى الوطن
بعد خلافه مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، اضطر محمد ولد بوعماتو إلى مغادرة موريتانيا في منفاه الاختياري، حيث قضى عدة سنوات في المغرب وفرنسا. وخلال فترة المنفى، ظلَّ على اتصال دائم بوطنه موريتانيا، متتبعًا لجميع المستجدات السياسية والاقتصادية، من منطلق الغيرة الوطنية والدفاع على مصالح بلده، من خلال مساهماته الفعلية والإجرائية في استقرار وأمن ونمو موريتانيا.
كما كان لمحمد ولد بوعماتو دورًا مفصليًا وفاعلًا في عدد من القضايا السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي عام 2019، وبعد انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسًا للجمهورية الموريتانية، قرر محمد ولد بوعماتو العودة إلى بلاده في مارس 2020، حيث تم استقباله بحرارة وسط تقدير شعبي جماهيري واسع لعودته واعتراف رسمي حكومي، بكل ماقدمه ولا يزال لوطنه الأم، خاصة في البعدين الاقتصادي والاجتماعي التنموي.
رجل العمل الخيري والإنساني
تجاوز تأثير محمد ولد بوعماتو حدود عالم الأعمال ليشمل المجالات الإنسانية والخيرية، وذلك في إطار اهتمامه الدائم والواسع بتحسين أوضاع مواطني بلده وكذا بلدان شقيقة وأخرى صديقة، خاصة في المجالات الصحية والتعليمية والإدماج الاجتماعي والمهني، حيث قدم محمد ولد بوعماتو دعمًا كبيرًا لمشاريع التنمية في موريتانيا وإفريقيا.
ونطرح في ذات الإطار نماذج لهذه البرامج والمشاريع، على كثرتها وتعدد توجهاتها ومجالاتها:
▪︎ مستشفى العيون : أحد أبرز المشاريع الخيرية التي أطلقها محمد ولد بوعماتو كان إنشاء “مستشفى العيون”، الذي يقدم خدمات طبية متخصصة في جراحة العيون وفحص النظر.إذ يقدم المستشفى استشارات طبية للعيون بما يقارب 511.222 استشارة سنويًا، بالإضافة إلى إجراء أكثر من 34.408 عملية جراحية. ويشمل المستشفى أيضًا علاجات لتقويم البصر تصل إلى 239.566 حالة، مما جعله واحدًا من أهم المراكز الطبية في موريتانيا.
▪︎ حملات مكافحة الرمد الحبيبي
لقد نظَّم محمد ولد بوعماتو العديد من الحملات والقوافل الطبية، لمكافحة الرمد الحبيبي في موريتانيا، وكذلك في دول مثل ساحل العاج والنيجر. هذه الحملات كانت تهدف إلى الحد من انتشار الأمراض المتعلقة بالعيون وتحسين صحة المواطنين في تلك البلدان.
▪︎ تحدي مواجهة جائحة كورونا
خلال جائحة كورونا (كوفيد19)، ساهم محمد ولد بوعماتو في دعم جهود الحكومة الموريتانية لمكافحة الفيروس، حيث قدم مساعدات طبية ودعمًا لوجستيًا في وقت كانت فيه البلاد بحاجة ماسة إلى الدعم، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في التخفيف من آثار وتبعات جائحة كورونا.
مؤسسة تكافؤ الفرص في إفريقيا
في عام 2015، أسس محمد ولد بوعماتو “مؤسسة تكافؤ الفرص في إفريقيا”، وهي منظمة خيرية مرخصة بالقرار الملكي رقم WL22/16.610 بتاريخ 10 أغسطس 2015. وتهدف المؤسسة إلى دعم المشاريع التي تساهم في تعزيز التكافؤ بين الأفراد في القارة الإفريقية، بما في ذلك مشاريع في مجالات التعليم والصحة والعدالة وحقوق الإنسان.
إلى ذلك، تم إطلاق المؤسسة رسميًا في 18 يناير 2016 من مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل.
برامج دعم تمكين المرأة
كان لمحمد ولد بوعماتو ولايزال، دورًا بارزًا في دعم تمكين المرأة على مختلف الأصعدة. فقد قام بالعديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز دور النساء في المجتمع وتوفير الفرص اللازمة لهن لتحقيق طموحهن التعليمي ومعه الإندماج المهني والمجتمعي.
على المستوى المحلي: ساهم في بناء وتوسيع قسم الأمومة والطفولة في مستشفى الشيخ زايد في عام 2004، مما ساهم في تحسين الخدمات الصحية للنساء والأطفال في موريتانيا.
على المستوى الإقليمي والدولي: على المستوى الإقليمي، قدم دعمه لتمويل مركز للإيواء في المغرب، والذي يهدف إلى توفير أماكن إقامة التلميذات والطالبات من العالم القروي، الراغبات في مواصلة دراستهن. كما أسهم في بناء مدرسة الفتيات الريفيات في ساحل العاج، والتي تهدف إلى تعزيز التعليم للفتيات في المناطق الريفية.
إلى ذلك، كان لمحمد بوعماتو دور فاعل في مؤتمر اليونسكو حول تعزيز تمكين النساء وتشجيع روحهن القيادية، حيث دعم بشكل مباشر الفعاليات والبرامج التي تسعى إلى تعزيز حقوق المرأة في إفريقيا والعالم العربي.
ولد بوعماتو..اعتراف دولي وازن
اعترافًا بأدواره العديدة والمتعددة، على المستوى الاستثماري التنموي والإحساني، تعليميًا وصحيًا وتمويل برامج ومشاريع لفائدة مختلف الشرائح المجتمعية، محليًا وإفريقيًا ودوليًا، سبق أن احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط، توشيح رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو، بوسام جوقة الشرف للجمهورية الفرنسية، من درجة فارس.
وجرى توشيح بوعماتو من قبل ألكسندر غارسيا، السفير الفرنسي في موريتانيا، خلال حفل أقيم في مقر السفارة بالعاصمة الموريتانية.
وفي وقت سابق، ونيابة عن الرئيس السنغالي بشير جوماي فاي، وشح الوزير الأول السنغالي عثمان سونكو، وشَّح رجل الأعمال الموريتاني البارز محمد ولد بوعماتو بوسام قائد في نظام الأسد السنغالي للاستحقاق الوطني، تقديرًا لجهوده البارزة في تعزيز علاقات الأخوة والصداقة بين موريتانيا والسنغال.
وفي كلمة ألقاها بالمناسبة، أعرب محمد ولد بوعماتو عن شكره وامتنانه لفخامة الرئيس السنغالي على هذا التكريم الرفيع، منوهًا بعراقة العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين. وأكد ولد بوعماتو قناعته الراسخة بضرورة العمل على تعزيز هذه العلاقات وتنويعها بما يخدم المصالح المشتركة.
لتكن هذه المحطات واحدة من بين أخرى عديدة، اعترفت للرجل بعطاءاته ومساهماته الاقتصادية الوازنة وقبلها الإحسانية والإنسانية، والتي شملت بلده موريتانيا والعديد من الأقطار الإفريقية والعربية ودولية أخرى.
تعليقات ( 0 )