نور الصيام.. انعكاس الروح على قماش الذاكرة

القراءة النقدية للاستاذة هند بومديان

اللوحة للفنانة التشكيلية ليلى بنرباك

تتجلى هذه اللوحة كمرآة للروح في تأملها العميق لمعاني الصيام، حيث لا تقتصر على تصوير عنصر ديني، بل تتغلغل في فلسفة النور والظلمة، الكسر والتجلي، التناقض والتكامل.

الصيام كنور داخلي:

يتوهج الفانوس في قلب التكوين وكأنه رمز للصيام ذاته، هذا الانطفاء الظاهري الذي يخفي وراءه إشعاعًا داخليًا متقدًا. الصيام ليس فقط الامتناع عن الطعام، بل هو لحظة تماهٍ مع الجوهر، لحظة انطفاء المادة لصالح الروح، تمامًا كما لا يكون للفانوس قيمة إلا عندما يغمره الظلام، حينها فقط يصبح ضوءه مرئيًا.

الشقوق الذهبية.. فلسفة الكسر والتجلي:

تبدو اللوحة كما لو أنها جدارية متشققة، كأنها مرت بعوامل الزمن، غير أن هذه التشققات ليست مجرد علامات اهتراء، بل هي وشوم الزمن على قماش الذاكرة. هنا تستحضر اللوحة فلسفة “الكينتسوغي” اليابانية، حيث تُرمَّم الأشياء المكسورة بماء الذهب لتصبح أكثر جمالًا بعد انكسارها. الصيام ذاته عملية كسر للذات المادية، لكنه في جوهره إعادة تشكيل للروح بنور أكثر نقاءً.

التقاء الزخرفة بالحرف.. البعد الماورائي للغة:

يمتزج الخط العربي مع الزخرفة الإسلامية في انسياب يعكس العلاقة بين الروح والجسد، بين المحدود واللامحدود. فالخط العربي، وإن بدا حسيًا، إلا أنه يسبح في فضاء غير محدود، حيث يصبح امتدادًا للصوت الداخلي، لنداء الروح في بحثها عن الإلهي. الزخرفة ليست مجرد شكل زخرفي، بل هي رمز للامتداد اللانهائي، كما لو أن الفن هنا يحاول محاكاة اللانهاية الإلهية.

الثنائية بين الضوء والعتمة.. جدلية الوجود:

تطرح اللوحة سؤالًا فلسفيًا حول علاقة الإنسان بالنور، ليس النور الفيزيائي، بل النور الوجودي، ذلك الذي لا يُرى بالعين بل يُشعر به في القلب. هل النور هو الغاية أم الوسيلة؟ هل الصيام مجرد انضباط جسدي أم وسيلة لإدراك ما وراء المادة؟ الضوء هنا ليس مجرد عنصر جمالي، بل هو سؤال مفتوح: متى يضيء الإنسان داخله، وكيف؟

ختاما

الفن كدعوة للتأمل

هذه اللوحة ليست مجرد مشهد بصري، بل هي تجربة وجودية تدفع المشاهد إلى ما هو أبعد من الظاهر. إنها دعوة لإعادة النظر في علاقتنا مع أنفسنا، مع المادة، مع الروح، ومع الزمن. الصيام هنا ليس مجرد طقس، بل حالة من العبور بين العتمة والنور، حيث يذوب الجسد ليظهر جوهر الروح في أبهى تجلياته.