مع الحدث
المتابعة ✍️ : لحبيب مسكر
تحلّ اليوم الذكرى 207 لميلاد كارل ماركس (1818 – 1883)، الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني، الذي شكّل حجر الزاوية في الفكر النقدي الحديث، وأحد أبرز من تصدّوا لبنية الظلم والاستغلال في المجتمعات الرأسمالية. وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على وفاته، لا يزال فكر ماركس يثير الجدل ويغذي النقاشات حول العدالة الاجتماعية والتحرر الإنساني.
وُلد ماركس بمدينة ترير الألمانية في أسرة يهودية تحوّلت إلى البروتستانتية تفادياً للتمييز الديني. تأثر بوالده المحامي المستنير وبفلاسفة التنوير الأوروبي، وبدأ مبكراً في التعبير عن روح نقدية حادة تجاه المجتمع والسلطة.
بعد دراسته في جامعتي بون وبرلين، حيث تأثر بفكر هيجل، بدأ ماركس مسيرته كصحفي ناقد في جريدة “راينيش تسايتونج”، قبل أن ينقله المنفى إلى باريس، حيث انخرط في الفكر الاشتراكي، وهناك التقى برفيق دربه الفكري والسياسي فريدريك إنجلز.
في عام 1848، أصدر ماركس وإنجلز “بيان الحزب الشيوعي”، الذي افتتح بجملة أصبحت أيقونية: “شبحٌ يخيّم على أوروبا – شبح الشيوعية”، واختتم بالنداء التاريخي “يا عمال العالم، اتحدوا!”، واضعين بذلك الأسس النظرية لأول حركة أممية تدعو إلى تغيير النظام الطبقي القائم.
من أشهر ما قاله ماركس:
“الدين هو تنهيدة الإنسان المقهور، هو القلب لعالم لا قلب له. إنه أفيون الشعب.”
تحليل ماركس لم يكن موجهاً ضد الإيمان بذاته، بل ضد استعمال الدين كوسيلة لتهدئة معاناة الشعوب عوض العمل على تغيير الواقع. هذه الرؤية النقدية تفسّر ضمن سياق نقده للبنيات السياسية والاقتصادية التي تشرعن القمع باسم السماء.
تشريح الرأسمالية: “ركض لا ينتهي”
ماركس انتقد بشدة المنظومة الرأسمالية، واعتبر أنها تُدخل الإنسان في دوّامة “ركض متواصل” لا يُترك فيها المجال للراحة أو التأمل:
“الرأسمالية ستحوّل الحياة إلى عملية ركض متواصل، ينسحق فيها تحت الحشود من يتوقف ليلتقط أنفاسه.”
في كتابه الضخم “رأس المال”، فصّل كيف أن هذه المنظومة تقوم على استغلال الطبقة العاملة، من خلال ما أسماه بـ”القيمة الفائضة”، وتوقع أزمات بنيوية متكررة نتيجة هذا التناقض الجذري.
توفي ماركس في لندن عام 1883، ولم يكن يملك سوى القليل، لكنه ترك تراثاً نظرياً شكّل قاعدة للحركات الاشتراكية والثورية في القرن العشرين، من روسيا إلى أمريكا اللاتينية، مروراً بأفريقيا وآسيا.
في سياق عالمي يتسم بأزمات اقتصادية، واختلالات اجتماعية، وتفاوت طبقي متفاقم، يعود الكثير من المفكرين اليوم إلى ماركس، لا كأيقونة سياسية، بل كمفكر ناقد يملك أدوات تحليل ما زالت قادرة على قراءة تعقيدات الحاضر.
كارل ماركس لم يكن مجرد منظر أيديولوجي، بل مفكر حاول أن يُجيب على سؤال مركزي: كيف نمنح الإنسان كرامته؟
في ذكرى ميلاده، يتجدّد النقاش حول أفكاره، وتُطرح مجدداً عبارته الخالدة:
“لقد فسّر الفلاسفة العالم بطرق مختلفة، ولكن المهم هو تغييره.”
تعليقات ( 0 )