ليلى لحلو من معادلات الفيزياء إلى ألوان الروح

ليلى لحلو … من معادلات الفيزياء إلى ألوان الروح

ليلى لحلو من معادلات الفيزياء إلى ألوان الروح

✍️ هند بومديان

 

من قلب مدينة الدار البيضاء، تبرز الفنانة التشكيلية ليلى الحلو كصوت فني اختار أن يشق طريقه بحرية، دون قوالب أو قيود. تركت خلفها معادلات الفيزياء لتمنح الألوان مكانها الطبيعي في حياتها، مدفوعة بشغف لم يخفت منذ الطفولة، ووعيٍ بأن الفن ليس ترفاً، بل حاجة روحية ووجودية.

 

لم تكن رحلتها سهلة ولا ممهدة، فهي لم تتخرج من معهد للفنون ولم تتلق تكوينًا أكاديميًا تقليديًا، بل اختارت التعلم الذاتي، شاركت في ورشات تقنية، وراكمت خبرة من خلال التجريب المتواصل والاحتكاك المباشر بعوالم الفن. تأثرت في بداياتها بالمدارس الأوروبية، وخصوصًا فترة إقامتها في فرنسا، حيث شدت انتباهها أعمال موديغلياني وسيزان، لكن سرعان ما عاد الحنين لرموز الذاكرة المغربية، للون الأرض، لجدران فاس العتيقة، وللحنين البعيد الذي تسكنه التفاصيل.

 

ترفض ليلى أن تحبس نفسها في أسلوب محدد، تؤمن بأن الفنان الحقيقي لا يتوقف عن التجريب، لذلك تتأرجح أعمالها بين الواقعية والتجريد، تارة تحمل رمزية صوفية وتارة تغوص في عمق الإنسان، بتشظيه وحيرته واندهاشه. تشتغل بالأكريليك غالبًا، وتلجأ أحيانًا لمواد مسترجعة تعبيرًا عن موقفها البيئي، معتبرة أن الفن ليس فقط إبداعًا بصريًا، بل مسؤولية ورسالة تجاه العالم.

 

ما يميز أعمالها هو ارتباطها بالهوية دون الوقوع في فخ الفولكلور، تستحضر الرموز الأمازيغية، النقوش، الألوان الحارة، والمرأة كمركز قوة وألم وجمال. لا ترسم المرأة كجسد، بل ككيان يحمل الحكاية كلها، بحزنها، بصبرها، بثقلها الداخلي الذي لا يُرى في الصور النمطية.

 

بخطى ثابتة، بدأت تشق طريقها في المعارض، من أول مشاركة جماعية كان وقعها عليها عميقًا، إلى مشاركات وطنية عديدة جعلت اسمها يحضر في المشهد الفني المغربي. ورغم غياب الدعم المؤسساتي، تواصل العمل والمثابرة، تؤمن بأن الإبداع لا ينتظر الإذن من أحد، بل يصنع لنفسه مكانًا ولو في الهامش.

 

تطمح للوصول إلى العالمية، لا من باب الشهرة الفارغة، بل من باب الإيمان بأن الفن لغة تتجاوز الحدود. تقتنع بأن اللوحة الصادقة تصل، ولو بعد حين، وأن العالم يحتاج أكثر من أي وقت مضى لصوت نسائي حر، متجذر، ومتشبث بخصوصيته دون انغلاق.

 

ليلى الحلو ليست فقط فنانة، بل قصة عن الجرأة في اتباع النداء الداخلي، عن امرأة وجدت خلاصها في الألوان بعد أن ضاقت بها المعادلات، فاختارت أن ترسم الحياة كما تراها: مشوشة، صاخبة، صادقة، ومليئة بالضوء الذي يخرج من قلب العتمة

 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)