فاطمة ابراهيمي … حين تصير الألوان وطنا و الفن حكاية حياة .
✍️ هند بومديان
في المغرب، حيث يلتقي عبق التاريخ بنبض الحاضر، ولدت فاطمة لبراهيمي كفنانة قبل أن تُنادى بهذا الاسم. منذ نعومة أظافرها، كانت الألوان تلون أحلامها، وكانت الأوراق البيضاء مسرحًا لأحلام صامتة تنبض بالحياة. لم تتح لها الظروف أن تطرق أبواب المدارس الفنية، لكنها ارتادت أكاديمية الشغف والتجريب، وقطعت مسارًا فنيًا واثق الخطى، تغذيه الملاحظة، ويصقله الإصرار.
طفلة كانت ترسم على ضوء الأمل، تمسك القلم الجاف والألوان المائية في حضرة والدها وإخوتها، وترسم على الورق كما لو كانت تكتب سطور قدرها القادم. إلا أن اللحظة الفاصلة كانت سنة 2017، حين مدت يدها لأول مرة نحو “الكنفاه”، لتبدأ رحلتها الحقيقية، مرسومة بخيوط الأمل ودهشة البدايات. كان لمشاركتها في تزيين المدارس العمومية أثر لا يُنسى، ليس فقط على الجدران، بل على روحها. هناك، حيث التقت ضحكات الأطفال برسوماتها، اكتشفت أن الفن رسالة، وأن البهجة التي يزرعها اللون أقوى من كل الظروف.
تجربتها نابعة من ذاتها، من تمرّدها على حدود التكوين الأكاديمي، ومن ولعها بالاكتشاف. لم تكن فاطمة تبحث عن مدرسة، بل عن روح تعبّر عنها، وهو ما وجدته في فن “الفسيفساء” أو “البكسل آرت”، ذاك الفن الذي يجعل من التفاصيل الصغيرة مشهدًا مكتملًا. هكذا أصبحت كل لوحة تنبض بالصبر والدقة، وتحمل في ثناياها مشهدًا حياتيًا يُحكى دون كلمات.
لم تكن البداية ضبابية كما يظن البعض، بل مرسومة بخطٍّ أول ابتدائي، حين نالت اعترافًا من أستاذها بموهبتها. كان ذلك التتويج البريء هو الشعلة التي أضاءت مسارًا لم ينطفئ. ومن هناك، تحوّلت الأوراق إلى جداريات، والقلم الجاف إلى ألوان أكريليك، ثم إلى أسلوب بصري خاص، يتنقل بين رمزية الأنمي، وألوان الطيور، وتفاصيل المرأة في علاقتها بالعالم.
فاطمة لا ترسم فقط لتملأ الفراغ، بل لتصنع حوارًا خفيًا بين الذات والآخر. أعمالها تنبض بواقعية شفافة، وحنين طفولي، ورسائل نسوية رقيقة. هي تكتب بلوحاتها ما لا يُقال، وتترك للمتلقي حرية التأويل، دون أن تفرض عليه قراءتها الخاصة. تُفضل لحظة العزلة أثناء الرسم، وتأنس لموسيقى الزمن الجميل، التي ترافقها في ولادة كل لوحة.
كانت أولى خطواتها العلنية في معرض جماعي بالمسرح الملكي، حيث تنفّست أعمالها هواء العرض الأول، ونالت استحسان الجمهور ودفء الاعتراف. توالت المشاركات بعدها، وكان من أبرزها معرض تضامني لفائدة ضحايا زلزال الحوز، حيث اجتمع الفن بالإنسانية، ليؤسس لحظة صدق توازي جمال الألوان.
ورغم الصعوبات، لم تكن تنتظر دعمًا مؤسساتيًا، بل راهنت على الاستقلالية، وعلى أصدقاء الفن الذين مدوا يدهم دون مقابل. إنها ترى في مراكش فضاءً يلهمها دومًا، مدينة تتنفس الفن في كل تفاصيلها، وتُغذي روحها بشغف لا ينضب.
فاطمة تؤمن أن الساحة التشكيلية المغربية حبلى بالطاقة، لكنها ما تزال تحتاج لمن يرعاها، ينظمها، ويمنح الشباب فرصًا أكثر. أما عن حلمها، فهو أن تؤسس مدرسة للفن، تكون بيتًا لكل من يريد التعبير، خصوصًا من ذوي الهمم، الذين يستحقون أن يُصغى إلى أرواحهم من خلال الألوان.
في لوحاتها، كما في حياتها، تسير فاطمة لبراهيمي بخطى ثابتة، لا تتعجل المجد، لكنها تعرف يقينًا أن الجمال الحق لا يُرى في الوهلة الأولى، بل يُكتشف مع الصبر… تمامًا كما تكتمل فسيفساء الحياة.
تعليقات ( 0 )