الزعيم السياسي بين الكاريزما وتقديس الذات

مع الحدث

المتابعة ✍️ : ذ لحبيب مسكر

 

في المشهد الحزبي المغربي، برزت خلال العقود الأخيرة ظاهرة تستحق التوقف عندها، وهي ميل بعض الزعماء السياسيين إلى تضخيم صورتهم وتقديم أنفسهم كأيقونات لا تُخطئ، بل كمن يُنتظر منه الخلاص، في مشهد يختلط فيه السياسي بالنفسي، والواقعي بالمتخيل.

 

الزعامة الحزبية وتضخم الذات

 

يُعرف “تضخم الذات” بأنه شعور مفرط بالتفرد والأهمية، لكن حين يصيب بعض زعماء الأحزاب، يتحول إلى سلوك مؤسسي يؤثر على قرارات الحزب، على ديمقراطيته الداخلية، وعلى علاقته بالمجتمع. يصبح الحزب في نظر بعض هؤلاء الزعماء مجرد وسيلة لبناء مجد شخصي، لا فضاءً لتأطير المواطنين والدفاع عن قضاياهم.

 

مظاهر من الواقع الحزبي المغربي

 

شخصنة الخطاب الحزبي: كثيراً ما يتحول الخطاب السياسي من حديث عن البرامج والقضايا، إلى مدح متكرر للزعيم، بل وتقديمه كـ”المنقذ” أو “الحكيم”.

 

التحكم في دواليب الحزب: بعض الزعماء يظلون لعقود على رأس أحزابهم، متحكمين في القرارات، ومقصين لكل من يجرؤ على الاختلاف.

 

غياب التداول الداخلي: من النادر أن يشهد المشهد الحزبي انتخابات حقيقية للقيادة، بل تُفصّل القوانين الداخلية لضمان استمرار نفس الوجوه.

 

خطاب التخوين والتهديد: عندما يُنتقد الزعيم، يصبح الناقد خائناً أو مدفوعاً من جهات “معلومة”، مما يُضعف ثقة المواطن في جدية الخطاب السياسي.

 

 

أمثلة من الواقع الحزبي المغربي

 

إدريس لشكر (الاتحاد الاشتراكي): بقي لسنوات على رأس الحزب، وشهدت ولاياته انتقادات واسعة بسبب هيمنة القيادة واحتكار القرار، خصوصًا مع إقرار “الولاية الثالثة” رغم المعارضة الداخلية، مما عُدّ ضربًا لمبدأ التداول الديمقراطي.

 

نبيل بنعبد الله (حزب التقدم والاشتراكية): رغم خطابه المتزن، استمر في قيادة الحزب لأكثر من عقدين، ما يثير تساؤلات حول تجديد النخب وفتح المجال أمام قيادات شابة.

 

عبد الإله بنكيران (العدالة والتنمية): شكّل ظاهرة سياسية فريدة بكاريزميته، لكنه عاد إلى قيادة الحزب بعد هزيمته في الانتخابات، في خطوة فسّرها البعض بغياب ثقافة التناوب داخل الحزب.

 

امحند لعنصر (الحركة الشعبية): يُعتبر من أقدم الزعماء الحزبيين، حيث قاد الحزب لعقود، ما جعل بعض المتتبعين يتحدثون عن “الزعيم الأبدي” في ظل غياب أي تداول ديمقراطي فعلي.

 

حميد شباط (الاستقلال، سابقاً): مثّل نموذج الزعيم الشعبوي والصدامي، وانتهت زعامته بصراعات داخلية عاصفة، عكست مدى اختزال الحزب في شخصه خلال فترة من الفترات.

 

 

انعكاسات على الحياة السياسية

 

هذه النزعة الزعامية تعمّق فقدان الثقة في الأحزاب السياسية، وتُفرغ العمل الحزبي من محتواه. كما أنها تخلق أحزابًا تدور حول شخص لا حول مشروع، وتُقصي الكفاءات مقابل الولاء، مما يُفرز نخباً غير مؤهلة لقيادة التحولات المنتظرة.

 

الجمهور بين الانبهار والنفور

 

المفارقة أن جزءاً من الجمهور ينجذب إلى هذه الزعامات، إما بسبب الكاريزما الظاهرة، أو بفعل اليأس من البدائل. لكن مع تكرار الوعود وانكشاف الواقع، يتحول الإعجاب إلى خيبة، والخطاب السياسي إلى مادة للسخرية أو اللامبالاة.

 

الخلاصة: نحو ديمقراطية داخلية حقيقية

 

المطلوب اليوم ليس فقط نقد الزعامات الحزبية، بل الدفع نحو إصلاحات داخلية تضمن التداول، وتعزز الثقافة الديمقراطية داخل الأحزاب. فبدون أحزاب قوية وديمقراطية، لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية في البلاد.

 

كما أن وعي المواطنين، ومطالبتهم بالمحاسبة والشفافية، يظلان العامل الأساسي في تصحيح هذا المسار، وفي إبعاد العمل السياسي عن نزعة “تقديس الزعيم”، التي طالما كانت سببًا في تعثر الإصلاح وتكريس الجمود.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)