مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
أثارت الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج اهتمامًا دوليًا واسعًا، لما تحمله من إشارات قوية على تغييرات محتملة في موازين القوى الإقليمية، خصوصًا في ما يتعلق بموقع إسرائيل ضمن أولويات السياسة الأمريكية الجديدة.
رغم أن الزيارة لم تشمل إسرائيل، إلا أن تداعياتها تركت صدى واضحًا في الأوساط السياسية هناك. فقد تضمنت دعوات لوقف الحرب في غزة، وانفتاحًا على التفاوض مع حماس، إلى جانب محاولات لبناء قنوات تواصل مع إيران. كما عرفت الزيارة لقاءات رفيعة مع خصوم تقليديين لإسرائيل مثل السعودية وتركيا.
هذه التحركات اعتُبرت بمثابة إزاحة جزئية لإسرائيل من مركز الاهتمام، حيث بدا أن ترامب يسعى لتبني نهج “براغماتي” قائم على المقايضة والصفقات، لا على الولاءات التقليدية.
في المقابل، استطاعت دول الخليج أن تُغري ترامب بحزم استثمارية ضخمة، ما جعلها تحجز موقعًا متقدمًا في أجندته، بينما بقيت إسرائيل تعتمد على المساعدات الأمريكية الثابتة، دون أن تقدم ما يوازي “جاذبية المال الخليجي”.
هذا الواقع أضعف موقع تل أبيب التفاوضي، وطرح تساؤلات عن قدرتها على الحفاظ على امتيازاتها التقليدية في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل إدارة تميل إلى منطق الربح والخسارة.
داخليًا، تعيش الحكومة الإسرائيلية الحالية حالة ارتباك، إذ اعتُبرت مواقفها المتصلبة إزاء غزة، ورفضها لأي حلول دبلوماسية، سببًا في تراجع التعاطف الأمريكي معها.
بعض الأصوات بدأت تتحدث عن ضرورة تغيير النهج، وربما حتى تغيير القيادة السياسية، من أجل اللحاق بالموجة الإقليمية الجديدة، القائمة على التهدئة، وإعادة الإعمار، والتحالفات الاقتصادية.
في النهاية، لم تكن زيارة ترامب، رغم تجاهلها المسرحي لإسرائيل، سوى فصل جديد من فصول الابتزاز الأمريكي المُنمق. إذ توحي تحركاته بانفتاح تاريخي على “أعداء الأمس”، بينما تبدو الأهداف الحقيقية أقرب إلى عملية تعبئة طارئة لخزينة تعاني من فقر مزمن في السيولة. أما الحديث عن تغير في العقيدة السياسية لواشنطن، فربما يجدر حفظه لكتب الخيال السياسي. فحين تكتمل شروط الصفقة، يسقط قناع الحمل الوديع، ويعود الذئب إلى عرينه القديم… بعد أن يقبض الثمن، طبعًا، وبالدولار الكامل.
تعليقات ( 0 )