حين يبتلع البحر أبناءنا من المسؤول؟

 

“حين يبتلع البحر أبناءنا… من المسؤول؟”

 

كل صيفٍ في المغرب يبدأ بالفرح وينتهي بالمآتم. يخرج الناس من ضيق المدن إلى سعة الشواطئ، من صخب الجدران إلى صمت الموج، بحثًا عن لحظات هدوء… لكن البحر لا يصفح دائمًا، ولا يمنح الأمان لمن لا يملك أدوات النجاة. والنتيجة؟ موسم غرقٍ جماعي يتكرر سنويًّا، كأننا لا نتعلم، كأن الموت في الصيف صار طقسًا من طقوسنا.

 

ارتفاع حالات الغرق هذه السنة يسلّط الضوء على خلل بنيوي لا يتعلق فقط بالأفراد، بل يمتد إلى السياسات العمومية الغائبة، وإلى منظومة تربوية عاجزة، وإلى إعلام موسمي لا يتحرك إلا بعد الفاجعة. شواطئ طويلة، بعضها غير محروس، وبعضها يفتقر إلى الإنقاذ الفوري، ومساحات واسعة ترتادها العائلات دون أيّ إرشاد أو تحذير واضح. في بلد يملك واجهات بحرية ممتدة، ما يزال البحر يُعامل كفرصة استجمام لا كمسؤولية مجتمعية.

 

الأسباب متعددة. أولها الجهل بقواعد السباحة، في بلد لا تُدرّس فيه السباحة في المدارس، ولا تتوفر فيه مسابح عمومية مجانية. ثانيها انعدام الرقابة، حيث الشواطئ تغص بالناس بينما عدد المنقذين لا يكفي حتى لتغطية نصفها. ثالثها غياب الوعي الأسري، حيث يُترك الأطفال والمراهقون في حضن الموج دون مراقبة، دون إدراك أن لحظة واحدة من الغفلة قد تكلف حياة كاملة.

 

ثم هناك عامل الفقر، ذاك الفقر الصامت الذي لا يُرى. في غياب بدائل ترفيهية حقيقية، يصبح البحر هو الخيار الوحيد للفقراء. لكن البحر لا يرحم الجهل ولا يعترف بالنيات الطيبة. من لا يعرف قوانينه يُبتلع بصمت، دون سابق إنذار.

 

أما الدولة، فهي تحصي الضحايا بعد كل صيف، تعلن عن أرقامٍ باردة، دون أن تتحرك فعليًّا لتغيير الواقع. لا توجد حملة وطنية حقيقية للتوعية بمخاطر البحر. لا دروس في المدارس، لا خطط إنقاذ شاملة، لا مراكز إسعاف كافية على امتداد الشواطئ. وكأن الأرواح التي تزهق ليست من هذا الوطن.

 

نحن لا نغرق فقط في البحر، نحن نغرق في الاستهتار، في الإهمال، في غياب الرؤية. البحر لا يخطئ، لكننا نحن من نخطئ حين نرمي أبناءنا في أمواجه دون دراية، ونعود لنلوم القدر، بينما المسؤولية واضحة: الدولة، المدرسة، الأسرة، الإعلام… الجميع مسؤول.

 

سيأتي صيف جديد، وستفتح الشواطئ ذراعيها من جديد. فهل سنكون مستعدين هذه المرة؟ أم سنكتفي كما كل سنة، بالبكاء على من رحلوا، ثم نُكمل النزهة… وكأن شيئًا لم يكن؟

 

 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)